نهاية الحلم الأميركي مع "سعودي في ميشيغان"

غلاف سعودي في ميشيغان"

كمال الرياحي-تونس

تمثل الرواية السعودية الرواية الأكثر نضجا في الخليج العربي، ورغم حداثة  ميلادها فإنها حققت تراكما كبيرا، وتمكن الروائي السعودي من انتزاع مكانة مهمة داخل المشهد الروائي العربي إما باقتحامه كبريات دور النشر العربية أو بالفوز بأهم الجوائز العربية والجوائز الأجنبية التي تسند للرواية العربية.

ولنا في عبده خال الفائز بالبوكر، ومحمد حسين علوان الفائز بجائزة معهد العالم العربي بباريس، ورجاء عالم الفائزة بالبوكر؛ أمثلة على ذلك التميز.

ويكتشف المتأمل للمشهد الأدبي السعودي أن أغلب الروائيين درسوا في أوروبا وأميركا، فشكل ما يعرف بالمبتعثين نخبة خاصة عبر أجيال مختلفة تضيف كل مرة جديدا للرواية السعودية. ويعد فراس بن مهنا اللامي من هؤلاء الطلبة السعوديين، حيث ألهمته تجربته الذاتية في الولايات المتحدة رواية "سعودي في ميشيغان" التي صدرت مؤخرا عن دار الساقي.

ارتبطت أميركا في الذاكرة بما يعرف بالحلم الأميركي، وترسخت في ذاكرة القارئ العربي عبر نصوص روائية رائعة، ويبقى جبران خليل جبران علامة مضيئة -كما إدوارد سعيد– في نموذج الكاتب العالمي ذي الأصول العربية الذي ارتبطت إقامته في أميركا بتميزه.

ميشيغان في هذه الرواية هي المدينة الفقيرة التي تحتضن أكبر نسب البطالة في الولاية المتحدة، وفيها "لا يجد الأميركي فرصة للكسب الحلال، ولا حتى الحرام"

مدينة بائسة
يبدو أن أميركا ليست دائما هي نفسها في أرض الخيال، إذ يقتطع لنا فراس بن مهنا اللامي قطعة بائسة من أميركا هي ضاحية ميشيغان، المدينة التي يقيم فيه أكبر عدد من العرب والمسلمين، حتى أصبحت اللغة العربية ثالث لغة مستعملة بعد الإنجليزية والإسبانية.

يدير اللامي روايته وفق برنامج سردي واضح جدا، وهو التناوب بين تتبع رحلة علاج الحاج محمد المصاب بالسرطان والحديث عن ميشيغان.

ميشيغان في هذه الرواية هي المدينة الفقيرة التي تحتضن أكبر نسب البطالة في الولاية المتحدة، وفيها "لا يجد الأميركي فرصة للكسب الحلال، ولا حتى الحرام"، فيضطر لتركها إلى ولايات أخرى كتكساس ونيويورك. إنها المدينة المنكوبة اقتصاديا وأخلاقيا، فهناك الجريمة عالية والتمييز العنصري ضد السود وانتهاك القانون والرشوة والفساد السياسي والقضائي.

وهناك يتحول الجنود القدامى الذين حاربوا في العراق وأفغانستان إلى مشردين في الشوارع بعد أن تخلصت منهم المؤسسة العسكرية، ملتحقين بالأعداد الكبيرة من المتسولين والجائعين في العراء. تضطر أحيانا الشرطة لتعنيفهم وشحنهم في الحافلات وطردهم خارج المدينة، فيذكرنا المشهد بمشهد الشحاذين في رواية "إضراب الشحاذين" للسينغالية أمانيتا ساوفال.

إن قارئ الرواية يخرج بإحساس وحيد أنه عليه ألا يزور تلك المدينة التي ستجعله يرى بلدا من العالم الثالث متخلفا، حيث تعنف المرأة بالعنف الشديد وتسفك دماء الفقراء دون رحمة، وحيث المال هو سيد الموقف.

قدم اللامي صورة أخرى للعربي الآخر، العربي في ميشيغان الذي يمتلك كل شيء، والذي يقود عصابات التهريب ويرفع السلاح ويقتل ببرود الأقلية السوداء، كما فعل المهاجر اليمني في الرواية

موت الحلم
يقدم لنا الراوي المصاحب هذه الصورة لميشيغان بكل برود، باعتباره مرافقا للحاج محمد الذي يعيش تجربة العلاج الكيميائي، وهكذا ينقل لنا من جهة أخرى أجواء مرض السرطان وإكراهاته وأعراضه الجانبية، لتتناغم  حركة هذا الداء البطيئة، والتي تسقط  الروح تدريجيا، والسرد الذي يسقط صورة أميركا المحلوم بها تدريجيا.

وقد ساعد أسلوب المذكرات البسيط في سرد هذه الحكاية التي تحولت فيها الرتابة إلى بطل، حين يروي الراوي المصاحب تجربة الموت -موت الحلم وموت الأمل- ببرود ألبير كامي وهو يتلقى خبر موت أمه.

قدم اللامي صورة أخرى للعربي الآخر، العربي في ميشيغان الذي يمتلك كل شيء ويقود عصابات التهريب، وهو نفسه الذي يرفع السلاح ويقتل ببرود الأقلية السوداء كما فعل المهاجر اليمني في الرواية. وكأن الروائي السعودي يقول إن هوليود أيضا متخلفة، لأنها ترسم صورة نمطية للعربي الشرير والعربي الساذج في حين أنها تحتضن عربيا شريرا معاصرا.

تأتي هذه الرواية لتكون معارضة لكل روايات المدن الغربية في أعمال سهيل إدريس وغازي القصيبي وحتى صامويل شمعون، وتقطع مع فكرة الدهشة والانبهار بالحضارة الغربية المتقدمة، لنكون في الغرب أمام مدينة عربية متنقلة، يهرب إليها المرضى العرب آملين في النجاة من مرض السرطان فيعودون جثثا، فأميركا أيضا تخيب أمام السرطان.

المصدر : الجزيرة