الكتاب بالمغرب.. احتفال موسمي ومفارقات ثابتة
نزار الفراوي-الدار البيضاء
ويختزل ذلك السؤال النقاش في المشهد الثقافي المغربي حول عزلة الكاتب ووضعية صناعة الكتاب على مستوى النشر والتداول في بلد يتميز على الصعيد العربي بحيوية ملفتة على مستوى مختلف أصناف الإبداع الفني والثقافي والفكري.
كما أن ذلك السؤال يعكس مفارقة لدى المعنيين بالشأن الثقافي في المغرب؛ ففي الوقت الذي تنتعش فيه حركة التأليف، وتتنامى مهنية دور النشر، ويتسع إشعاع المبدعين والمفكرين المغاربة على المستوى العربي، تستمر المؤشرات المقلقة حول علاقة المواطن بالكتاب، وغربة هذا المنتج حتى داخل وسطه الطبيعي في المؤسسة التعليمية.
بالنسبة لمدير الكتاب في وزارة الثقافة حسن الوزاني فإن معرض الدار البيضاء حتى لو كان أكبر حدث ثقافي في المغرب، يستقطب عشرات الآلاف من الزوار (340 ألفا العام الماضي)، فإنه لا يقدم الحل لمشكلة القراءة.
ويبقى المعرض في نظر الوزاني منتدى لتبادل الخبرات بين الناشرين المغاربة والعرب والأجانب، ولترويج الكتاب المغربي، وهو جزء من سياسة عامة للنهوض بقطاع الكتاب والنشر في ظل صيغة جديدة للدعم الحكومي انطلقت عام 2014.
وأوضح الوزاني، وهو أيضا شاعر، أن هذه الصيغة التي رُصد لها دعم عمومي سنوي بلغ قدره العام الماضي عشرة ملايين درهم (نحو مليون دولار) وسعت نطاق دعم الكتاب والنشر ليشمل ثمانية محاور، من جملتها نشر الكتاب والمجلات الثقافية، وإحداث مكتبات، ودعم القراءة العمومية والتوعية بها، ودعم مشاركة الناشرين في المعارض الدولية.
ويرى أن الحصيلة الأولية لهذه الصيغة إيجابية من حيث تعزيز الاحترافية على مستوى صناعة الكتاب، وتسجيل تحسن في نوعية الإنتاج، وتنام في دور الجمعيات الأهلية القريبة من الشرائح المستهدفة برفع معدلات القراءة وإنعاش المكتبات الخاصة التي كانت قد بدأت تغلق أبوابها.
مبادرات أهلية
وتشير إحصاءات نشرتها المندوبية العليا للتخطيط بالمغرب في 2014 إلى أن المواطن المغربي لا يخصص إلا دقيقتين في اليوم للقراءة مقابل ساعتين و14 دقيقة يمضيها أمام التلفاز، ولاحظت دراسة تعود إلى 2010 أن المغربي ينفق درهما واحدا (0.10 دولار) في السنة كمعدل لاقتناء الكتب مقابل 25 درهما (2.5 دولار) كمعدل عالمي.
أزمة القراءة ليست -ربما- بالمستوى الذي يقدم في عناوين مثيرة، لكن الوضع فعلا غير مرض حسب الفعاليات الأهلية التي انتفضت في الآونة الأخيرة من أجل التفكير في بناء علاقة وطيدة بين الكتاب والمواطن، خاصة من فئة رجال المستقبل: الأطفال والشباب.
وحسب شبكة القراءة في المغرب، الإطار الأهلي الذي قام بمبادرات حميدة من أجل النهوض بعادة القراءة -خاصة لدى الأطفال والشباب، فإن الأزمة تتمثل في غياب عنصر القراءة في المناهج المدرسية وغياب المكتبات.
ورأت رشيدة الرقي -عضو مكتب الشبكة- أن المسؤولية لتجاوز هذا الوضع تقع على عاتق جهات كثيرة، فوزارة الشباب والرياضة مطالبة بإدماج القراءة في أنشطة وهياكل دور الشباب والثقافة والمخيمات الصيفية، والإعلام مدعو إلى التوعية بأهمية القراءة من خلال برامج هادفة تقاطع اكتساح برامج الترفيه.
دور المدرسة
وضمن قائمة المشاريع التي أنجزتها الشبكة، أبرزت الرقي أهمية مبادرة تنظيم جائزة وطنية سنوية للقراءة، تعلن نتائجها يوم السبت العشرين من فبراير/شباط الحالي بعد أن تلقت ترشيحات قراء أطفال يقرؤون بمعدل سبعين كتابا في العام، بوتيرة تصل أحيانا إلى كتابين أو ثلاثة في الأسبوع.
ويبقى تقريب الكتاب من الأطفال والتلاميذ رهانا حيويا لتجاوز الوضع الحالي وضخ دماء جديدة في صناعة الكتاب المغربي؛ فالناشر كريم سليكي الذي يدير دارا للنشر في طنجة يرى أن من أهم أنواع الدعم الأكثر فعالية اقتناء الإصدارات من قبل المؤسسات العامة، بما فيها التعليمية والقطاعات الحكومية لتغذية مكتباتها الخاصة.
يقول كريم سليكي إن دور المدرسة ضروري لإحداث الثورة المنشودة في مجال الكتاب، فتصريف الكتاب عبر المكتبات العمومية ومكتبات المؤسسات الحكومية يحقق أمرين: دعم غير مباشر لدور النشر من جهة، وتقريب الكاتب من الشرائح التي لا تسمح لها قدرتها الشرائية بمواكبة جديد سوق الكتاب.