حديث عن ضجة البوكر

أمير تاج السر ..البوكر حبيبة الجميع وجائزة الجميع المفضلة، وحتى من ينتقدها في العام الذي لا تدخل فيه رواية له في القوائم، يأتي ويمتدح سلالتها كلها حين يدخل عمل آخر له في دورة ثانية

أمير تاج السر

منتصف الأسبوع الماضي، أعلنت في مسقط بسلطنة عمان القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية، أو الجائزة العالمية للرواية العربية، كما يطلق عليها رسميا، وكلا التسميتين تقود لنفس المعنى: أن هناك جائزة تحدث ضجة، بصورة كبيرة، ينتظرها الكتاب سنويا، وينحبسون لها أشهرا ليكتبوا، ويشمل ذلك الكبار والصغار، الذين كسبوا من قبل، أو خسروا هكذا.

القائمة الطويلة التي تظهر غالبا قبل شهر أو شهرين من القصيرة، تأتي بستة عشر عملا، ستة منها ستدخل القصيرة، وتتأهل للمنافسة على الجائزة النهائية، وعشرة ستخرج، ساحبة معها أحلاما وطموحات وكثيرا من الانتفاش والاعتداد بالنفس، الذي ربما يكون حدث يوم إعلان اللائحة الطويلة.

إذن البوكر حبيبة الجميع وجائزة الجميع المفضلة، وحتى من ينتقدها في العام الذي لا تدخل فيه رواية له في القوائم، يأتي ويمتدح سلالتها كلها حين يدخل عمل آخر له في دورة ثانية، أيضا التحكيم فيها يستقطب محكمين من أنصارها، وآخرين لهم رأي سلبي معلن في الجائزة، ولا أدري كيف يستطيع الشخص أن يعلن رأيا مناهضا على الملأ، ويأتي ليناقض ذلك الرأي بعد زمن. إلا إذا كانت ثمة مبررات قوية، وإلا تفقد الثقة حتى في رأيه التحكيمي..

لا أريد هنا أن أتحدث كثيرا عن تحكيم جائزة البوكر، الذي لن يرضي الأذواق كلها، ولن يكون تحكيما عادلا إلا في نظر من دخلت روايته، وبالطبع تدخل أولا ست عشرة رواية من أكثر من مئة وربما مئتي رواية تأهلت في القراءة الأولى، ثم يضيق الباب كثيرا، وتدخل ستة أعمال فقط، هي في نظر التحكيم أفضل أعمال هذا الموسم أو ذاك، وفي نظر الكثيرين ليست كذلك، وهكذا، هي الدوامة السنوية التي لن تنتهي إلا لو أغلقت البوكر أبوابها وارتحلت عن بلاد العرب.

أغلفة الروايات التي اختيرت للقائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية 2016(الجزيرة)
أغلفة الروايات التي اختيرت للقائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية 2016(الجزيرة)

على الرغم من أنني لم أكن محكما يوما في تلك الجائزة، ولن أكون في أي يوم، فإن خبرتي في العمل محكما لجوائز أخرى تجعلني أشفق على من يعمل محكما في البوكر بالذات، فالمشاركات السنوية أكثر من اللازم، والمحل فيها والممرض والذي قد يسبب الجلطة، كثير جدا.

صحيح أن هناك كتابا ممتازين يقدمون، وكتابا يقتربون من التجويد يقدمون، ولكن أيضا ومع ازدياد دور النشر التي تصنع الوهم، والمبررات غير الحقيقية، وتجعل من المستحيل ممكنا لمن أراد أن يعلن ترشيحه للبوكر، تأتي الأعمال المؤلمة، والروايات غير الناضجة التي ربما وراءها خراب بيوت، وبيع لبعض الممتلكات الشخصية، من أجل النشر.

ومؤخرا وضعوا شرطا، أن يكون الكتاب منشورا على حساب الناشر وليس الكاتب، حتى يتم ترشيحه للجائزة، ولكن ما أسهل الإفلات من سيف مكسور، مثل هذا الشرط: مجرد إقرار بسيط بأن الناشر هو من تحمّل تكلفة الكتاب، ولا أحد يعرف من تحمل، ومن لم يتحمل.

هذا ألم كبير، أعني أن تراودك في الأحلام جائزة إن فزت بها، أو اقتربت من الفوز، لن تقبض مبلغا ماليا وتنصرف، ولكن ستحاورك عشرات الصحف والمجلات، وستكتب عنك مارشا لينكس في موقعها الإلكتروني المعروف، وأيضا كيارا كوميتو الإيطالية، التي تتابع الأدب العربي عن كثب وتحتفي بالضجيج كله.

وربما جلست في بهو فندق جيد في أبو ظبي، وجاءتك محررة إيكونوميست الجميلة، لتسألك مباشرة، إن كان لسانك مدربا على الإنجليزية، أو بواسطة مترجم إن كنت من العرب، الذين ليس لهم دخل بالكلام الإفرنجي، ويوجد في أبو ظبي أيضا صالون لاستضافة أعضاء القائمة القصيرة، يمكن للذي بداخله أن يبتسم أو يضحك أو يحتسي النسكافيه، وهو يوقع للعشرات ممن أتوا للتوقيع، وكذا عشرات الطقوس الأخرى الجيدة.

undefined

هاجس الكتابة
بالطبع ورغم كل ما ذكرته، وما لم أذكره من مميزات تلك الجائزة بالتحديد، يوجد من لم يلتفت إليها على الإطلاق، من يأتي موسم وراء موسم، وينتج كتبا رائعة، ولا تهمه أي جائزة، بوكر أو غير بوكر، تحدثت مرة عن الروائي الكردي سليم بركات، الذي لا يكتب رواية تقرأ وتنتهي، ولكنه يكتب معلما حضاريا سيكون مغروسا في أذهان القراءة، لا يسقط أبدا.

ولا بد من الإشارة هنا إلى الروائي اللبناني ربيع جابر، الذي حصل على البوكر بالفعل في سنة من السنوات ولم تعن له شيئا على الإطلاق، لم يجلس ليوقع في معرض للكتاب، ولا سافر بصيت الفائزين إلى أي مكان، كان يمكن أن يسافر إليه. لقد حضر إعلان فوزه بالجائزة، وغادر إلى قلعته ليكتب لأنه لا يريد شيئا سوى أن يكتب. ولو ترك ليكتب بلا بوكر لاختار الكتابة بالطبع.

أيضا وعلى الرغم من تخيلنا أن الضجة البوكرية تصل لأي مكان في بلاد العرب، فهي قد لا تصل لأماكن قريبة جدا من منبع الجائزة ومصبها، وفي عام 2012، وكنت أشرف على ورشة كتابية خاصة بالبوكر في صحراء الربع الخالي، مع الزميلة العراقية المجيدة: إنعام كجه جي، وانتهت الورشة، وأردنا أن نتحدث إلى الصحفيين عن إنجازها الذي فرحنا به كثيرا، اقترب مني صحفي يعمل في صحيفة إماراتية محلية، وأرسل لتغطية المؤتمر، كان يسألني بكل هدوء: ما معنى جائزة البوكر؟ ولماذا يقام هذا المؤتمر الصحفي؟

هذا الرجل لم يكن يمزح، ولكنه من الذين لا تعنيهم الضجة أيضا، ولولا أنه كلف بتغطية حدث له علاقة بالبوكر لما سأل عنها، ولا عرف عنها شيئا أبدا.

أخيرا لنتكاتف جميعا من أجل النسيان، نسيان الانفعال الحاد لمن يثق في عمله ولا يشاهده في قائمة من قوائم البوكر، ولمن يدخل عمله قائمة طويلة، سيعاد النظر فيها لا بد. سنكتب فقط، وبلا أي فرح أو غضب.

المصدر : الجزيرة