التوزيع مرض مزمن للكتاب الجزائري

مكتبات المطالعة العمومية..
مدير مكتبة مركزية للمطالعة يقول إن شبكات التوزيع المعطوبة حولت الكثير من المكتبات الرئيسية إلى مخازن

الخير شوار-الجزائر

 

في افتتاح ملتقى بالمكتبة الوطنية الجزائرية يتعلق بـ"المقروئية" فجّر وزير الثقافة عز الدين ميهوبي قنبلة عندما تحدّث بلغة الأرقام وقال إن سبعة آلاف عنوان لكتب صدرت بين سنتي 2003 و2015 وبدعم مباشر من الخزينة العمومية، بقيت كميات منها مكدّسة في المخازن ولم تذهب إلى المكتبات العمومية والجامعات والمؤسسات العقابية مثلما يفترض.

وبقدر ما صدم التصريح البعض، لم يكن مفاجئا لكثير من المتتبعين الذين يعانون من مشكلة توزيع الكتاب التي يبدو أنها أصبحت مزمنة تتجاوز المنشورات التي ترعاها وتموّلها الحكومة إلى مطبوعات دور النشر الخاصة.

والكتاب الذي تراجعت صناعته في الجزائر في سنوات التسعينيات من القرن الماضي عندما أفلست المؤسسة العمومية التي كانت ترعاه وهي "المؤسسة الوطنية للكتاب" ولم يكن عدد الناشرين من القطاع الخاص يتجاوز حينها المئتين، عرف نموا كميا معتبرا حيث قفز عدد الناشرين إلى حوالي 1200 ناشر في الوقت الحالي.

واستفاد الناشرون من دعم حكومي كبير بدءا من بروز فكرة "الصندوق الوطني لدعم الإبداع" وليس انتهاء عند التظاهرات الثقافية الكبرى التي عرفتها الجزائر على غرار تظاهرة "الجزائر عاصمة للثقافة العربية" سنة 2007، وتلمسان عاصمة للثقافة الإسلامية سنة 2011، والمهرجان الثقافي الأفريقي سنة 2009، وتظاهرة قسنطينة عاصمة للثقافة العربية 2015، حيث موّلت الخزينة العمومية طبع آلاف العناوين، كثير منها يعجز القارئ عن الوصول إليه لأسباب تتعلق بمشكلة التوزيع المستعصية.

مكتبات المطالعة العمومية إحدى حلقات توزيع الكتاب وانتشاره في الجزائر(الجزيرة)
مكتبات المطالعة العمومية إحدى حلقات توزيع الكتاب وانتشاره في الجزائر(الجزيرة)

 إخلال بالرمزية
الشاعر عبد الله الهامل يدير مكتبة مركزية للمطالعة العمومية تابعة لوزارة الثقافة، يتحدث عن سياسة "تكثيف" طبع الكتاب التي عرفتها الجزائر انطلاقا من العشرية الماضية، ويؤكد في تصريحه للجزيرة نت أن هذه السياسة تبدو جيدة "لكننا غفلنا أمرا آخر وهو أن طبع الكتاب كصناعة ثقافية ليس من مهام الوزارة بل من مهام دور النشر كمنتج ومجال تجاري".

ويؤكد الهامل أن الآلاف من العناوين التي طبعت "لم يراع فيه النوعية والإبداع حتى تحولت العملية من الناحية الإجرائية لنفس التعاملات التي تقوم بها البلدية في ترصيف الشوارع وطلاء الجدران، وهذا الأمر يخل برمزية الكتاب. أضف لذلك شبكات التوزيع المعطوبة التي حولت الكثير من المكتبات الرئيسية إلى مخازن".

وتبقى أرقام توزيع الكتب بعيدة عن المأمول، حيث لا يبيع أكبر الروائيين أكثر من ثلاثمئة نسخة من الكتاب في تظاهرات كبرى كصالون الجزائر الدولي للكتاب الذي يشهد إقبالا بالملايين نظرا لنقص المكتبات في أكبر المدن الجزائر، حيث يضطر القارئ إلى قطع مئات الكيلومترات من أجل الحصول على كتابه. وتستثنى بعض النوعيات من الكتب مثل الدينية أو التي تتناول مذكرات بعض السياسيين أو القادة الثوريين التي تحقق مبيعات بآلاف النسخ وبالخصوص المكتوبة منها باللغة الفرنسية. 

مفلاح: من واجب الوزارة توجيه عملها نحو المراكز التعليمية والجامعات(الجزيرة)
مفلاح: من واجب الوزارة توجيه عملها نحو المراكز التعليمية والجامعات(الجزيرة)

مكتبات تتناقص
عبد الكريم ينينة صاحب دار "الكلمة" للنشر وهي متخصصة في الكتاب الأدبي، يقلل من مشكلة توزيع الكتاب العمومي الذي يراه موجودا في المكتبات العمومية مع استثناءات قليلة، يتناول جانبا آخر من المشكلة يتعلق بالتوزيع لدى القطاع الخاص فيعتبره متفاوتا من دار إلى أخرى.

ويضيف قائلا للجزيرة نت "لا نخجل من القول إن التوزيع لا يصل إلى الشكل الذي يليق بالكتاب ويأمله الناشر والقارئ على حد سواء، وأيضا لأن المكتبات الخاصة في تناقص مستمر، ونشاط بيع الكتب يكاد ينقرض من قائمة الأنشطة التجارية داخل المدينة".

وبحثا عن حل للمشكلة التي تبدو مزمنة، يقول الروائي محمد مفلاح للجزيرة نت "أعتقد أنه من واجب الوزارة اليوم توجيه عملها نحو المراكز التعليمية والجامعات، بتشجيع مبادرات إنشاء المكتبات في وسطها. وفي الظروف الحالية، لن تظهر فعالية نشر الكتاب في حياتنا العامة، ما لم تُخلق مؤسسة وطنية كبرى تتكفل بتوزيع الكتب، وترافقها إجراءات حكومية لإنشاء مكتبات في المدن والقرى يُعفي أصحابها من الجباية".

المصدر : الجزيرة