تونس.. أسئلة الثقافة بعد سنوات الثورة

سينما على قارعة الطريق.
مسار الربيع العربي في تونس يبقى مفتوحا على كل الاحتمالات وحقل الثقافة يختزل جل أسئلة التحول في البلاد (الجزيرة)

الصحبي العلاني-تونس

ثلاثة أيام فقط قبل هروب الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، وفي حركة غير متوقعة، وقفت مجموعة من المثقفين التونسيين على عتبات "المسرح البلدي" في قلب العاصمة معلنة تضامنها مع الحراك الثوري الذي تشهده البلاد. لم يتخلّف الأمن عن "القيام بالواجب"، وقمع جميع الحاضرين الذين لطالما احتقرتهم الدكتاتورية مدّعية الاحتفاء بهم!

بعد خمس سنوات من رحيل رأس النظام، طرحت الجزيرة نت سؤال الثقافة في زمن الثورة وما بعدها على عدد من المبدعين التونسيين بينهم رئيس جامعة منوبة (غربي تونس العاصمة) الروائي شكري المبخوت (حائز جائزة البوكر العربية 2015) الذي تحدث عمّا سمّاه "الديناميكيّة الثقافية المهمّة التي شهدتها السنوات الخمس الماضية، خصوصا في حواشي كتابة الدستور".

وقال المبخوت إن نخب البلاد طرحت "أسئلة جوهرية مدارها على الخصوصية والكونية، والتقليد والحداثة، والمدنيّ والديني، وهذا أمر مهمّ بالنسبة إلى مستقبل الثقافة في البلاد. ومن هذه الزاوية يمكن الحديث عن استفادة الثقافة (العامّة السياسية والإيديولوجية بالخصوص) من الثورة".

شكري مبخوت: من كان يعتقد أنّ الثورة ستخلق ثقافة جديدة، فهو واهم (الجزيرة)
شكري مبخوت: من كان يعتقد أنّ الثورة ستخلق ثقافة جديدة، فهو واهم (الجزيرة)

وفي إجابته عن سؤال بخصوص ما قدّمته الثورة فعليًّا للثقافة أشار إلى أنّ "كلّ من كان يعتقد أنّ الثورة ستخلق ثقافة جديدة، فهو واهم؛ لأنّ تجارب الشعوب الأخرى تثبت أنّ الثورات قلّما تنتج تصوّرات جديدة بل قد تنتج أحيانا نقيضها".

ومع ذلك، وبعيدا عن التفاؤل المفرط، اختتم المبخوت حديثه بالتأكيد على أنّه "ينتظر من أجواء حرية التعبير والتفكير أن تُوجد تحوّلا ثقافيا، لا يكون إلاّ بطيئا بالضرورة".

أما الشاعر المنصف المزغنّي، صاحب النصوص التي كانت تُقرأ بعيدا عن أعين الشرطة، فأشار إلى أن "الثقافة كانت تتنفس بصعوبة تحت أنف النظام. ولكن، كان ثمّة ما يشير إلى أنّ شيئا ما سوف يحدث!".

ولكنّ اقتناع الشاعر المنصف المزغنّي بدور الثقافة في تأجيج الثورة لم يمنعه من التأكيد على أنّ "الإطاحة ببن علي لم تكن ثقافية، بل سياسية بامتياز". ولأنّ المزغنّي ليس صاحب نصوص فقط، بل صاحب تجربة في إدارة الشأن الثقافي من خلال رئاسته سابقا لبيت الشعر، فإنه يرى أنّ "وزارة الثقافة لم تستطع أن تواكب هذا الزخم الثقافي العنيف الذي هجم فجأة، وفي جرابه أضغاث أحلام وأفلام. فخمس سنوات غير كافية لتشخيص أو انتظار الإبداع من تحوّلات تونس بعد 14 يناير/ كانون الثاني 2011".

المنصف المزغني: وزارة الثقافة لم تستطع أن تواكب هذا الزخم الثقافي العنيف(الجزيرة)
المنصف المزغني: وزارة الثقافة لم تستطع أن تواكب هذا الزخم الثقافي العنيف(الجزيرة)

بديل من الداخل
بعيدا عن العاصمة التي ظلّت سنوات قطب الحراك الثقافي، التقت الجزيرة نت في القيروان (160 كلم جنوب تونس) الشاعر المنصف الوهايبي الذي أبدى بعض المخاوف قائلا إن الثورة "ولدت بلا رأس ودون فكر يقودها. والخشية كلّ الخشية أن لا تنتج خطابها الثقافي الخلاق الذي يبدو اليوم بمثابة الحاجة الماسّة والملحّة".

وردا على سؤال للجزيرة نت عن طبيعة هذا الخطاب، أشار الوهايبي إلى أنّ "المسألة الثقافيّة لا يمكن أن تُختزل في وصفة جاهزة، حتّى وإن ادّعى البعض أنّ تلك الوصفة "ثوريّة" أو أكثر تعبيرا عن "الثورة".
ثمّ اختتم قائلا "إنّ أمام الثورة مهمّة لم تنجزها كاملة. صحيح أنّنا أصبحنا نعبّر بحريّة، ولكنّنا -للأسف- لم نعبّر بَعْدُ".

في دروب أبعد من القيروان، وفي طرقات تشهد أكثر فأكثر بعمق التفاوت بين مناطق البلاد التونسيّة اتّجهت الجزيرة نت إلى مدينة سبيطلة (200 كلم جنوب العاصمة) التي عرفت أحياءها أكثر فصول الثورة التونسية دمويّة قبل أن تصبح الجبال المحيطة اليوم مسرحا لمواجهات متتالية بين قوات الأمن والمسلحين.

قضايا مؤجلة
في تلك المدينة يرى الممثل والشاعر والناشط الثقافي عدنان الهلالي أنّ "خمس سنوات لا تكفي أحيانا لإنهاء كتاب أو عمل إبداعي، لذلك فهي ليست كافية لكي تخدم الثقافة، خاصة أن الثورة كانت دون نصّ".

عدنان الهلالي: المهدي الثقافي المنتظر لم يظهر(الجزيرة)
عدنان الهلالي: المهدي الثقافي المنتظر لم يظهر(الجزيرة)

وفي نبرة يغلب عليها الاستياء يضيف عدنان الهلالي "أنّ مخبر وزارة الثقافة لم ينجح في الاستجابة لمتطلبات السنين "الثورية"… في حين استفادت الثقافة المضادة، الثقافة الظلاميّة من هذه المرحلة فانتشرت وأصبح لها أنصار من كل الأعمار".

واختتم الهلالي حديثة بالقول "إنّ المهدي الثقافي المنتظر لم يظهر، وهذا طبيعي فلن نصبح مبدعين بين ليلة وضحاها. وبعض الذين خيل إليهم أن النظام السابق قمع مواهبهم ومشاريعهم اتضح ألا مشاريع لهم ونالوا فرصا أو نصفها ولم يُقنعوا فالثقافة لا تحتمل الشعارات".

بعد مرور خمس سنوات على الثورة التونسيّة يجد المثقفون أنفسهم -مرّة أخرى- مغيّبين عن ساحة اكتسحت مسرحَها مشاهدُ الصراعات الحزبيّة والمجادلات الإيديولوجيّة. أمّا القضايا التي بحّ صوت المبدعين في المطالبة بضرورة طرحها ومعالجتها (القوانين المنظمة للشأن الثقافي، حماية المبدعين، اللامركزية الثقافية، انخراط القطاع الخاص في الحراك الثقافي…) فيبدو أنّها ستظلّ مؤجّلة حتى إشعار آخر.

المصدر : الجزيرة