فتية من غزة يرسمون للحرب والحب

أيمن الجرجاوي-غزة

 

بحرفية عالية، يضع الفتى الفلسطيني سلمان شاهين لمساته الأخيرة على لوحة فنية يستحوذ وجه مُسنّة قاست 67 عامًا من ويلات الاحتلال الإسرائيلي الحيز الأكبر منها، وفي خلفيتها تتربع قبة الصخرة المشرفة بألوانها الزاهية.

 
وتضع المُسنّة -التي ترتدي الزي التراثي الفلسطيني- يدها على وجنتها، وتروي تجاعيد وجهها التي رسمت بدقة حكاية شعب يُصرّ على تحرير أرضه رغم معاناته الشديدة.
 
وتعد هذه اللوحة التي تروي حكاية الصبر الفلسطيني أحد أعمال الفتى شاهين (16 عاما) وهي من ضمن نحو مئتي لوحة رسمها تعبّر عن واقع الفلسطينيين وتطلعهم للحرية والحياة.
 
يجتذب الفن ولاسيما الرسم أعدادا متزايدة من الفتية بغزة، إذ التحق عدد منهم في جمعيات لتنمية مواهبه، وصقلها وفق برنامج علمي بعيدا عن العشوائية.

صقل المهارة
ويقول شاهين للجزيرة نت إن بدايته الحقيقية كانت قبل عامين، حين واكب بريشته الشارع متضامنا مع الأسرى، فرسم أربعة أسرى تحت التعذيب في سجون الاحتلال.

وبحكم أن الفتى من أسرة بسيطة، فلم تكن لديه إمكانيات لشراء الألوان والخامات الأصلية للرسم، لكن إحدى الجمعيات المحلية وفرت له ما يلزمه عند انضمامه إليها قبل عامين.

وبالإضافة إلى الخبرات التي اكتسبها من المدرب الذي وفرته الجمعية، فتحت مواقع التواصل الاجتماعي لشاهين بابا واسعا للتواصل مع فنانين عرب وأجانب للاستفادة من خبراتهم.

مديحة المجايدة ترسم لوحة فلسطيني مشرد تتساقط عليه الصواريخ الإسرائيلية (الجزيرة نت)
مديحة المجايدة ترسم لوحة فلسطيني مشرد تتساقط عليه الصواريخ الإسرائيلية (الجزيرة نت)

وشارك الفنان برسوماته في معرضين دوليين بأوكرانيا ولندن، كما كان له معرض خاص بغزة، روى من خلاله واقع الحرب والحصار، ولم ينس رسم الأمل.

ويبدو شاهين مستاءً من عدم تقدير شريحة من الفلسطينيين للفن، ويقول إن الحصار المفروض على القطاع يحد من حركته، ويضيّع عليه فرصًا لتسويق رسوماته بالخارج.

المجتمع الفلسطيني
ورغم أن المجتمع الفلسطيني يعد محافظًا، وتحكمه عادات وتقاليد قوية، فإنه يتقبل بـ"صدر رحب" دخول الفتيات هذا المجال، كما تؤكد الفتاة مديحة المجايدة.

وتجد الفتاة البالغة (16 عامًا) نفسها تتقن فن "البورتريه" (رسم الأشخاص) بشكل جيد، إلى جانب الرسم بالفحم والرصاص، وتقول إنها تجد دعما من والدها الذي سبقها إلى هذا المجال.

وتضيف للجزيرة نت بينما كانت ترسم طفلا مشردا تتساقط القذائف الإسرائيلية حوله "رسمت ناجي العلي، وأحب تجسيد حياة الأطفال، لأنني أحب أن أُظهر بالرسم ما لا يستطيعون قوله. لقد كبروا وهم صغار".

سلمان شاهين
سلمان شاهين

وبالرغم من أن معظم لوحات الفنانة -التي شاركت بثلاثة معارض محلية- تتحدث عن المأساة الفلسطينية، فإنها وجدت مساحة لرسم الحب والمقاومة بلوحة واحدة.

ووفق اللوحة، تخبئ فتاة فلسطينية وردة خلف ظهرها، وتنظر إلى مقاوم يلبس بزة عسكرية ويحمل سلاحه بيده.

ويلات الحصار
ويعني الرسم للفنانة المجايدة حب الحياة، كما أنه رسالة للعالم بأن الفلسطينيين يبدعون من وسط ويلات الحصار.

ويقول الفنانان إن جمعية "الثقافة والفكر الحر" الفلسطينية (أهلية غير ربحية) أتاحت لهما إظهار موهبتهما، كما وفرت لهما مدربا يصقل مهارتهما.

ويُقبل طلاب فلسطينيون بشكل شبه يومي على الالتحاق بجمعيات لصقل مهارة الرسم لديهم، وتحفزهم على ذلك المعارض التي تُنظم للفنانين، كما يوضح الفنان التشكيلي المدرب بالجمعية محمد أبو لحية.

ويوضح، في حديثه للجزيرة نت, أن ثلاثين طالبا وطالبة من سن (12-17 عاما) ينتظمون بمركز "بناة الغد" التابع للجمعية، وتم تأهيلهم للرسم بطرق علمية، وتوفير كافة الإمكانيات لهم.

ونظّمت الجمعية ثلاثة معارض، كان أولها عن التراث بألوان الأكريلك، بينما جسد الثاني بأقلام الرصاص مرارة العدوان الأخير على غزة، أما الثالث فعرض رسومات فن البورتريه.

إعجاب الجمهور
واشتملت المعارض الثلاثة على أكثر من تسعين لوحة فنية رسمت بأيدي الفتية، وحازت على إعجاب الجمهور، وفق أبو لحية.

آمال خضر تقول إن مركزها يهتم بتطوير القدرات (الجزيرة)
آمال خضر تقول إن مركزها يهتم بتطوير القدرات (الجزيرة)

ويبدي الفنان الشكيلي إعجابه بقدرات الفتية، ويقول إنهم يستفيدون بشكل كبير من الدورات التي ينظمها لهم، ويتطورون باستمرار.

من جانبها، تشير مديرة بناة الغد إلى أن مركزها يهتم بتطوير القدرات، وبناء الشخصية القيادية للفتية، إلى جانب فن الرسم.

وتضيف آمال خضر للجزيرة نت "نحن نطور قدراتهم لإشباع رغباتهم، وفتح آفاق المستقبل لهم، وتوجيههم بالاتجاه الصحيح".

وتوضح مديرة المركز-الذي يتلقى دعما من حكومات ومؤسسات أجنبية- أن معرضا سيقام لهؤلاء الفتية خلال أيام في بريطانيا بمناسبة الذكرى الأولى للعدوان، وسيكون ريعه لصالح هؤلاء الفنانين.

المصدر : الجزيرة