ماري إِستور.. شاعرة هولندية مهمومة بعذابات الإنسانية

الشاعرة الهولندية
آن ماري إِستور ولدت في هولندا وتقيم في بلجيكا (الجزيرة)

 فاتنة الغرة-بروكسل

"أخيرا نستطيع القول بأننا وصلنا إلى الواقع ذاته".. بهذه الطريقة تبدأ الشاعرة الهولندية آن ماري إِستور نقد الواقع الثقافي الأوروبي من خلال مجموعتها الشعرية الأخيرة "لم يعد هذا مسرحا بعد الآن" التي صدرت حديثا عن دار نشر في أمستردام.

وفي مجموعتها الشعرية التي تقع في 61 صفحة، تدخل الشاعرة القارئ إلى عالمها لتعلمه منذ البداية بأنه أمام نص يخرج عن صمت اللغة، مثل كثير من القصائد التي تذكّر بالمناطق المنكوبة والمدمرة، وتترك الأماكن مبهمة أحيانا وتحددها في أحيان أخرى، مثل ذكرها قرى في الهند أو في الشرق الأوسط حيث مدن البترول التي تدور فيها وعليها حروب وصراعات، وتسقط وتعلو من أجلها أنظمة وسياسات.

تثير إِستور في ديوانها أسئلة متعددة حول مفهوم الاختلاف و"الخوف الوهمي" من الآخر الذي نختلقه في وعينا الذي شكّله الإعلام الممنهج، والذي يُبقي المواطن معزولا عما يحدث على أرض الواقع في مكان ليس ببعيد عنه.

كما تقدم مشاهد توضح التهديد الذي يمثله تنظيم الدولة الإسلامية والتدمير المستمر للبيئة، وغرق المهاجرين في البحر المتوسط، والمعاملة القاسية التي يتلقاها الإنسان، ثم تصرخ قائلة "هذا لم يعد مسرحا بعد اليوم".

ينقسم الديوان إلى عدة فصول هي "شهر العسل"، و"لا مسرح بعد" و"القضاة" و"الغشاء رقيق" و"الأبواق"، وتقدم لوحة فسيفسائية لرؤية مغايرة للغة الشعرية السائدة في بلجيكا وهولندا تحديدا والتي تتسم بالانغلاق على نفسها وعدم الانفتاح على الثقافات الأخرى، الأمر الذي تمردت عليه إِستور مثلما فعلت في فصل "الأبواق" الذي يتحدث عن العالم الغربي حيث تحمّله المسؤولية عن الكثير مما يحدث في العالم، معلنة أن زمن الهيمنة الغربية قد انتهى.

‪غلاف الديوان‬ (الجزيرة نت)
‪غلاف الديوان‬ (الجزيرة نت)

هموم
وتعبر إستور عن تلك القضايا بلغة شعرية تتميز بها الشاعرة مثل هذا المقطع الذي تقول فيه "من الطين، بين الحصى، جنبا إلى جانب الجذور الكئيبة، على أرض ملعب البحيرة السوداء، مع طين القاع، هناك مخاض غاب عن الذاكرة، بقايا عيدينا، أولئك الذين سخرنا منهم، ضحكنا عليهم، أدرنا ظهورنا لهم".

يتجلى موقف الشاعرة الأخلاقي والسياسي فنيا وهي تلهث لرصد تفاصيل الوجع الذي لا تحتمله وتصف مشاهده، فنجدها تعبر عن حال المواطن الفلسطيني حين تقول إن "النوم شريط سينمائي، غير أن وميض المرايا وأزيز الطائرة الزنانة، تبقينا على أقدامنا".

كما يظهر الوجع السوري في نفس الصفحة، حين تقول "رئة تلوّح في الريح، هنا تكمن امرأة في حفرة"، وتقول في مكان آخر من الديوان "منذ وقت ليس بعيدا، وُجِدت تحت هذا الجسر، وليدة ميتة وتسعة أيام من العمر".

لا تغيب الذاكرة الاستعمارية عن الديوان الذي يتضمن شذرات تحكي الظلم والوجع الذي عاناه أناس آخرون بسبب شعبها، حيث تقول "وسط قفار من التجاعيد، وميض عينين قديمتين كما إثيوبيا"، أو حينما تصف المجتمع الأوروبي في هذا المقطع "اعتقدنا دائما أننا أرباب العمل، نضحك على السفهاء، معلقين على الأكمام، احتفلنا، لكننا لم ننظف من خلفنا، الآن..، في كل اتجاه، عبر هذه البلاد المتفجرة، نخطو للأمام، نرتدي الأحذية المطاطية، ومعطف الفرو الأصلي".

وفي الديوان تظهر أيضا الروح الإنسانية المعذبة التي تعيش صراعها مع واقع تتسارع وحشيته بقسوة، يتشابه شكلها ولا يختلف وقع الألم فيها، وتقول إِستور "لأيام ما زلتُ أنزف، أنا كنت ثمرة العليق البرية على الأسلاك الشائكة، ألعق كل القطرات من على الأرض، التي كانت جاهزة لي لأتمكن من قراءتها، كنت ألعق غضبك والوحشية، أبتلعها حيث تهضمها معدتي".

يذكر أن ماري إستور مولودة في المناطق الريفية بمقاطعة ليمبورخ الهولندية وحصلت على الدكتوراه من جامعة ليدن عن أطروحة حول أعمال الكاتبة البريطانية جانيت وينترستون، وهي تقيم في بلجيكا منذ سنين وتُعتبر من أهم الأصوات الشعرية فيها، وحازت على جائزة "هيرمان ديكونينغ" مرتين وهي أهم جائزة شعرية في بلجيكا وهولندا، ولها دراسات نقدية وأربع مجموعات شعرية، إلى جانب أعمال فنية تشكيلية.

المصدر : الجزيرة