رسم قديم… سرد الأنثى والحياة

غلاف كتاب "رسم قديم"
غلاف رواية "رسم قديم" للكاتبة السودانية المهاجرة نفيسة زين العابدين (الجزيرة نت)

محمد نجيب محمد علي-الخرطوم

تعود الرواية الاجتماعية الكلاسيكية إلى الواجهة السردية السودانية برواية "رسم قديم" للكاتبة السودانية المهاجرة نفيسة زين العابدين، التي صدرت بالقاهرة عن دار أوراق، وهي رواية ترسم ملامح التغيير التي أصابت الحياة الاجتماعية السودانية.

وتتصدر المشهد قضايا عديدة يقر بها المجتمع، من تأخر سن الزواج جراء الظروف الاقتصادية الأخيرة، ونظرة المجتمع المحافظ للأنثى المتعلمة ذات الوضع الاجتماعي والمالي المميز، والصورة النمطية لهذه الأنثى، وما تقابله في الحياة من الأسرة ومكان العمل.

وفي هذه الرواية تعد الصديقات هن محور السرد الأنثوي الروائي الذي يتغلغل داخل البنية المجتمعية، إذ تجد البطلة نفسها في مشهد درامي هائل وصديقتها تطلب منها الزواج من زوجها، فتتحرك داخلها الأنثى التي كانت قد نسيتها جراء الاندماج في دنيا العمل.

‪نفيسة زين العابدين استفادت من تعدد الأمكنة التي عاشت فيها بين الشرق والغرب‬ (الجزيرة)
‪نفيسة زين العابدين استفادت من تعدد الأمكنة التي عاشت فيها بين الشرق والغرب‬ (الجزيرة)

وتبدأ رحلة الذكريات السابقة واللاحقة، وبين رفض العرض من الصديقة والقبول تمضي الرواية في جدلية المجتمع ومحاذيره، والأنثى المحكومة بتقاليده ونظرته لها بعد أن يفوتها قطار الزواج.

وتبرع الكاتبة في نقل أحاسيس هذه الأنثى الباحثة عن حياة زوجية تقيها شر أعين المجتمع، وذلك يدفع "تهاني" بطلة الرواية إلى المغامرة، ومع فشل كل المحاولات ورفضها الزواج لمجرد الزواج، تجد تهاني نفسها أمام امتحان صعب يتمثل في وفاة صديقتها التي عرضت عليها يوما الزواج من زوجها وتركها طفلة صغيرة، ومع دموعها على رحيل صديقتها لا تجد سوى القبول بالزواج من زوج صديقتها الراحلة.

سرد الأنا
وتعرج الرواية في سرد الأنا المفرد إلى دنا (جمع دنيا) صغيرة، واهتمامات المرأة بين العمل والزواج، ويقترن ذلك بسرد باهر يحكي عن فضاء منفتح فسيح وجامح ومتطلع نحو اكتشاف معالم التغيير في مجتمع وجد نفسه في عولمة مخيفة.

تقول نفيسة زين العابدبن للجزيرة نت إن "رسم قديم" رواية حاولت فيها تناول نظرة المجتمع لمسألة الزواج.. إذ المجتمع السوداني لا يزال ينظر إلى الفتاة التي لم تتزوج على أنها "فتاة ناقصة" وهي أيضا رؤية لقضية العنوسة في مجتمعاتنا الشرقية التي تصف غير المتزوجة بأنها غير فاعلة في المجتمع حتى وإن كانت على قدر كبير من التعليم والاستقلال المادي والفكري، فالأنثى بدون رجل في مجتمعاتنا ينظر إليها على أنها غير مكتملة.

‪مرغني: الكاتبة على دراية كبيرة بشخوصها وأحوالهن ومواقفهن العاطفية والنفسية‬ (الجزيرة)
‪مرغني: الكاتبة على دراية كبيرة بشخوصها وأحوالهن ومواقفهن العاطفية والنفسية‬ (الجزيرة)

قراءة الواقع
يقول الدكتور الناقد عز الدين ميرغني للجزيرة نت إن هذه الرواية تحفر في الواقع السوداني الحديث من حيث الغيرة والفتاة التي تعدت سن الزواج، ويضيف أن الكاتبة استخدمت تقنية الراوي العليم الذي دخلت به إلى الكثير من دروب شخصياتها ومساراتهم النفسية، مما يجعل الرواية صادقة في تصوير شخصياتها.

ويقول إن الكاتبة استخدمت اللغة الفصحى بصورة مبسطة ومع الاهتمام بالتفاصيل الصغيرة سرديا. وأشار ميرغني إلى أن هذه الرواية تدخل تحت تقنية الأدب النسائي، إذ إن الكاتبة على دراية كبيرة بشخوصها وأحوالهن ومواقفهن العاطفية والنفسية.

واعتبرت الروائية سارة شرف الدين أن الرواية تحكي عن تجربة مختلفة فيها الكثير من المعايير الأخلاقية التي تهم المرأة، وتطرح أسئلة الأنوثة في السودان وعالمنا العربي بكل أبعادها وأنواعها، خصوصا أن مجتمعنا الشرقي ينظر إلى المرأة كظل للرجل ولا يعترف بكينوتها الخاصة، وتظهر على السطح قضايا تأخر الزواج نتيجة للمجتمعات المحافظة وتعقيدات الحياة الحديثة.

وتضيف سارة أن الكاتبة استفادت كثيرا من تعدد الأمكنة التي عاشت فيها بين الشرق والغرب، واكتسبت خبرة كبيرة انعكست بوضوح في التفاصيل السردية وتعدد الأمكنة والأزمنة داخل الرواية.

المصدر : الجزيرة