سامية العطعوط تنحاز للمرأة دون معاداة الرجل

غلاف رواية عالميدان رايح جاي.

حاورها في عمّان-توفيق عابد

اشتكت القاصة سامية العطعوط من ضعف الاهتمام بالمبدعين في الأردن، وطالبت وزارة الثقافة ورابطة الكتاب الأردنيين ومؤسسات المجتمع المدني بدور نشط لدعم ومساندة الحركة الإبداعية وتسويقها عربيا وعالميا.

وقالت في حوار خاص للجزيرة نت إن هناك أصواتا وكتابات مهمة ينقصها الرعاية الإعلامية وتقديمها للقراء، مشيرة إلى أنها كانت من المؤيدين لمراجعة برنامج التفرغ الثقافي الذي ترعاه وزارة الثقافة لدعم المبدعين بسبب وجود لبس في المعايير، لكنها تعارض إيقافه كما تم مؤخرا.

وفازت سامية العطعوط قبل بضعة أيام بجائزة ناجي النعمان الأدبية اللبنانية لعام 2014 من بين 1681 مرشحا من 58 دولة كتبوا بـ25 لغة.

ولفتت العطعوط إلى أنها تنحاز للمرأة بامتياز بصفتها الطرف الأضعف، لكنها ليست ضد الرجل، وقالت إنها تكتب ووجهها لجدار حتى لا تهرب الأفكار وتتقمص شخصياتها الواقعية أحيانا والمتخيلة أحيانا أخرى.

وفيما يلي تفاصيل الحوار: 

* في روايتك "عالميدان رايح جاي" التي اقتحمت الربيع العربي، ماذا وجدت؟
كنت أشعر مع الشباب والشابات الذين كانت لهم طموحات وآمال في تغيير الواقع الذي عشنا فيه لسنوات من القهر والقمع ومصادرة الحريات والرأي والرأي الآخر، "كنت أشعر بأحلامهم تتجاوز الواقع"، ولكن منذ الشهور الأولى من أحداث الربيع العربي في تونس ومصر مع المرور على ليبيا وسوريا بدأت تتكشف مصائر الثورات واستشعرت بأنها لن تكون النهاية، بل تمثل البداية لما نريد تحقيقه.

‪القاصة سامية العطعوط فازت مؤخرا بجائزة ناجي النعمان الأدبية اللبنانية لعام 2014‬ (الجزيرة)
‪القاصة سامية العطعوط فازت مؤخرا بجائزة ناجي النعمان الأدبية اللبنانية لعام 2014‬ (الجزيرة)

ولعل أهم نتيجة لثورات الميادين هو كسر حاجز الخوف لدى المواطن العربي أمام أي سلطة، وهو الحاجز الذي عانينا منه عقودا، فالرواية المصورة "عالميدان رايح جاي" توقعت أن شباب الوطن العربي والقوى السياسية التي تريد مصلحة الوطن سيستمرون في الذهاب للميادين لتحقيق ما نريد، "كان لازم ننزل عالميادين والساحات عشان نشم شوية هوا.. بس الهوا كان ممنوع فولعت الدنيا بينا".

وعبر متابعة التطورات، اكتشفت مفاجأة أن الشباب العربي لديه ما يعطيه عند الضرورة وليس مغيبا عن واقعه ووطنه كما كنا نتخيل، لكننا في الوطن العربي بحاجة إلى فكر أيديولوجي وسياسي يجمع الفرقاء المختلفين على الحد الأدنى من المطالب التي تحقق إرادة الشعوب.

كما إننا ما زلنا مرتهنين لإملاءات الغرب ولم نخرج من مدارات القوى الاستعمارية التي ما زالت تتدخل في مسارات تطور مجتمعاتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

والجدير بالإشارة إليه أن "عالميدان رايح جاي" هي أول رواية أردنية تستخدم اللوحات، بالإضافة إلى فن القصص المصورة "الكومكس" بريشة الفنانة التشكيلية ساندرا الدجاني.

* لكل نتاج أدبي محور معين، فما محور مجموعاتك القصصية؟
معظم شخصياتي لها خلفيات في الواقع، وأحيانا خيالية تتناول قضايا الإنسان المعاصر التي تبعده عن أنماط الحياة التي تجره نحو الاستهلاك وتشيؤ العواطف ومعاناته في عصر التكنولوجيا التي تغيّب العلاقات الإنسانية والتواصل مع الآخرين، كما أتناول القضايا السياسية للإنسان العربي والمصيرية كالقضية الفلسطينية التي تأخذ حيزا كبيرا، إضافة إلى الأحداث في العراق وسوريا.

أما طقوسي فلا أستطيع الكتابة إلا وسط هدوء تام، وأفضل الليل في مواجهة جدار حتى لا تهرب الأفكار. أعيش لحظة الكتابة بعمق، ومعظم شخصياتي تتمتع بحرية، وخاصة في المجموعتين القصصيتين الأخيرتين" قارع الأجراس" و"بيكاسو كافيه"، حيث أزيلت العوائق ولم أعد أراقب حركتها أو أدع أي رقيب خارجي لمواجهتها، ثمة جرعة حرية زائدة في حركة الشخصيات.

هذه الشخصيات تأتي معظم الأحيان من موقف أو حدث قد لا يثير الاهتمام، ولكنه في لحظة ما قد يمثل الحقيقة الكاملة وحياة بأسرها لشخصية ما، وتستفزني الشخصيات ذات التناقضات في حياتها، وأميل لغير العادية كحاكم متسلط أو مجرم يتوب.

* الأحداث في غزة، أليس لها نصيب في نتاجك الأدبي على اعتبار أنها حدث الساعة؟
غزة لا تغيب عن البال، فقد تناولتها في مجموعتين قصصيتين هما "قارع الأجراس" و"بيكاسو كافيه"، وما يجري في غزة الآن يدمي القلب وأجد نفسي عاجزة عن الكتابة لأن الألم أكثر من الحروف التي تتجمع لتشكل كلمات.

وفي إحدى القصص أتحدث عن امرأة غزية تمثل كل فلسطين تتناسل منها النساء على مدى التاريخ لكي تستمر الحياة في مواجهة أعداء الحياة واستعادة الأرض.

* يقال إنك مسكونة بنون النسوة، أي تنحازين للمرأة في مواجهة الرجل؟
نوعا ما ليس بشكل واعٍ وإرادي، وإنما تتم الأمور بشكل تلقائي، حيث ألمس معاناة المرأة بشكل كبير، وبالتالي هناك عدة قصص تناولت قضايا تؤثر على حياة النساء في مجتمعاتنا العربية وأخرى سرد "فانتازي" لقضاياها. وعلى سبيل المثال، هناك امرأة تصدمها سيارة وتخرج أحشاؤها في منتصف الشارع تحملها بيدها ولا أحد يلتفت لها حتى ابنها يكون مشغولا برسائله على هاتفه النقال.

ولا أجد حرجا إذا اعترفت بأنني منحازة للمرأة بامتياز، لأنها الحلقة الأضعف، وخاصة في ظل النزاعات المسلحة، وأرى أن المرأة أصل العالم، مع الإشارة إلى أنني لم أتأثر بالكاتبة المصرية نوال السعداوي في هذا الشأن، لكنني في الوقت ذاته لا أعادي الرجل ولا أقف ضده.

* يقال إن القصة تأمل في الوجود، فما وجهة نظرك؟
هي كذلك في معظم الأحيان، لأن القصة القصيرة تمسك باللحظة الزمنية التي يعيشها الإنسان وكأنها تحاول إلغاءها، كما تمسك باللحظة الوجودية للشخصيات ومدى تأثيرها على حيواتهم، وتعبر عن أروع اللحظات وأقساها في حياة البشر.

* لكن بعض النقاد نعوا القصة القصيرة في ظل هجرانها وتحول كتابها للرواية؟

المفارقة بالنسبة لي أنني بدأت بكتابة الشعر والرواية بداية الثمانينيات ولم أنشر ما كتبته لأن الرواية بالذات تحتاج لصبر ونفس طويل، وكلما قاربت على إنهاء إحدى رواياتي ابتعد عنها فجأة

أجد كل فن أدبي يستطيع التعبير عمّا يعتمل في أعماق الكاتب من لحظات، والمفارقة بالنسبة لي أنني بدأت بكتابة الشعر والرواية بداية الثمانينيات ولم أنشر ما كتبته لأن الرواية بالذات تحتاج لصبر ونفس طويل، وكلما قاربت على إنهاء إحدى رواياتي ابتعد عنها فجأة بسبب ظروف عائلية حتى أصبحت لديّ أربع روايات مخطوطة لم تكتمل.

صحيح أن نقادا نعوا القصة في ملتقى القصة القصيرة 2009 بعمان، لكنني دافعت عنها بقوة وعقب إعلان النعي كثر المدافعون وزاد الإنتاج القصصي وتنوع كرد عملي على الناعين، كما بدأت التجارب القصصية تأخذ أبعادا جديدة في فن القص والسرد عموما، وخاصة في السنوات الثلاث الماضية، إن إعلان موت القصة ساعد على إحيائها وتجديدها.

ومهما قيل، تبقى القصة فنا جميلا لمن يكتبه ويقرأه وما زال يحتمل الكثير من التجديد.

* يلاحظ في الأردن تزعم المرأة القصة القصيرة، هل من تفسير لهذه الظاهرة؟
أرى أن المرأة في الأردن أبدعت في كتابة القصة القصيرة، لأن فن القص يحتاج إلى سرعة ملاحظة ودقة وبديهة وانتباه لانفعالات الشخصيات في لحظة معينة، والمرأة -بشكل عام- تلاحظ أكثر من الرجل لما يدور حولها، وتنتبه لأدق التفاصيل التي قد لا تثير انتباه الرجل.

يضاف إلى ذلك، دخول المرأة عالم الكتابة متأخرة، وقد وجَدتْ في القصة ما يعبر عن مشاعرها وقضاياها، ولذلك تكتب بعض القاصات ما يشبه الخاطرة وكأنها تناجي نفسها، كما أن القصة لا تحتاج لوقت طويل، وبالتالي تناسب وضع المرأة العملي والعائلي والاجتماعي، "المرأة في الأصل شهرزاد تروي الحكايات منذ بداية التاريخ".

وهذا لا ينفي بطبيعة الحال وجود بعض الكتاب الذكور الذين يستطيعون فهم عوالم المرأة والكتابة عنها باقتدار، ولكن في حالات قليلة.

* بعض النقاد يرون أن الأدب النسوي -إذا جاز التصنيف- يحتاج لمراجعة؟
هناك حاجة لمراجعة النتاج النسوي في القصة القصيرة، ولكن أعتقد أيضا وجود حاجة لمراجعة نتاج الرجل، فبعض الكتاب حظيوا بتسليط الأضواء لأسباب لا علاقة لها بالمستوى الفني. أي أن المراجعة يجب أن تجري لجميع ما نكتبه كتابا وكاتبات كي نستطيع دراسة الأدب المحلي والعربي وفرزه.

لديّ مشروع لدراسة "جنسوية" النقد، فحين تدرس ناقدة عملا أدبيا ويتناول ناقد العمل نفسه يكون هناك تفاوت كبير في طبيعة القراءة ونتائجها، والاختلاف يعود لجنس الناقد

وأود هنا القول إن لديّ مشروعا لدراسة "جنسوية" النقد، فحين تدرس ناقدة عملا أدبيا ويتناول ناقد العمل نفسه يكون هناك تفاوت كبير في طبيعة القراءة ونتائجها، والاختلاف يعود لجنس الناقد.

ولدي بعض الملاحظات على الحركة النقدية التي لم تتغير منذ سنوات، أبرزها أن معظم الاهتمام ينصب على الأدب غير المحلي والعلاقات الشخصية والمصالح المتبادلة وظهور عدد من النقاد والناقدات الذين يحاولون الإضافة إلى حركة النقد كان سببه البحث عن الشهرة، فشاعر كأدونيس يعطي شهرة للناقد أكثر من شاعر مغمور.

كما أن دخول بعض الأكاديميين مضمار النقد أعطى نتائج سلبية، فهؤلاء يتناولون الإنتاج الأدبي بمسطرة أو بأفكار مسبقة، ولا يحاولون استخراج ما في النص المكتوب من إبداع وأساليب سردية جديدة.

* أخيرا، من أراك درب القصة وأنار لك الطريق؟
يعود أفضل دور في اتجاهي للكتابة لوالدتي خزيمة حجاب، فهي التي ابتاعت لي أول رواية "بائعة الخبز" وعمري 11 عاما وشجعتني منذ الطفولة ووفرت القصص والروايات، كما شجعتني بداية الثمانينيات على النشر، لذا كانت أول قصة عن وفاة والدي "قبر أبي"، تلاها "عبد الفتاح يتسلق جبال الألب".    

يذكر أنه صدر للقاصة العطعوط ست مجموعات قصصية هي: "جدران تمتص الصوت"، و"طقوس أنثى"، و"طربوش موزارت"، و"سروال الفتنة"، و"قارع الأجراس.. أنثى العنكبوت"، و"بيكاسو كافيه".

المصدر : الجزيرة