لينا هويان: مستقبل دمشق مسجل في ماضيها

كومبو يجمع بين الروائية السورية لينا هويان الحسن وروايتها الماس ونساء
لينا هويان الحسن ترسم في رواياتها الوقائع التي يغفلها المؤرخون (الجزيرة)

حاورها: هيثم حسين

من عوالم البداوة والصحراء إلى عوالم المدن وتفاصيلها، تلتقط الروائية السورية لينا هويان الحسن موضوعاتها، وتنبش في مناطق متجددة ومواضيع منوعة، لترسم صورا لما أغفله المؤرخون أو تجاهلوه لسبب أو آخر، تتكئ على التاريخ في رواياتها، محاولة سد الفجوات التاريخية، وتصدير الهامش بجعله متنا حكائيا.

مرت لينا -ككثير من السوريين- بظروف صعبة اضطرتها للانتقال من دمشق والإقامة في بيروت، ثم مواصلة الكتابة من هناك، بحيث تبدو الكتابة جسرها إلى الآخر وإلى دمشق التي ارتحلت عنها، فعادت إليها لتسكنها في رواياتها، هي التي تصف دمشق بأنها مدينة "استثمرت أربع جهات لتفتح سبع بوابات"، توقن أن مستقبل دمشق مدون في ماضيها وتاريخها.

انطلقت لينا في نصوصها الأولى من تلقائية أملتها عليها ذاكرتها، لكن تميز الحرفة وجمالية الصنعة برزا في أعمالها التالية.

وأصدرت لينا مؤخّرا رواية "ألماس ونساء" عن دار الآداب ببيروت، وبمناسبة صدور روايتها الجديدة كان الحوار التالي:

undefined انتقلتِ في روايتيك الأخيرتين "نازك خانم" و"ألماس ونساء" من عالم الصحراء والبداوة إلى عالم المدينة "دمشق، وبيروت، وباريس وغيرها"، كيف تصفين هذا الانتقال، وهل يأتي من باب التجريب والتنويع؟

الأدب بالنسبة لي تغيير ضروري، وثبة مدروسة، انعطافة مفاجئة، الأدب لا يعرف قط اليقينيات، منطقه قائم على المحاولة والتجربة والتنويع. سبق أن بدأت من الصحراء، لأن أهم مميزات الأدب أنه "عفوي وتلقائي"، وأنا كتبت نصوصي الصحراوية ابتداءً من تلقائية أملتها علي ذاكرتي، بينما مع رواية "نازك خانم" والآن "ألماس ونساء" أكتب انطلاقا من الشق المديني الذي منحتني إياه مدينة دمشق بكرم كبير.

undefined عالجتِ في عملك كثيراً من المتغيّرات التاريخيّة والاجتماعية والسياسية، اعتباراً من بداية القرن العشرين وحتّى نهايته تقريبا، أين حدود الكتابة الروائيّة من التوثيق والتأريخ؟

الكلمة بحد ذاتها ريشة فنية قابلة لأن تحمل أي لون لتضعه أنّى تشاء، الكتابة هي أكثر الفنون التي تعتمد على لعبة خلط الأوراق، وتقنية التمويه، بهدف صنع النص الذي نريده، وعندما نتعمد أن يكون "التأريخ" "كومبارساً" ضرورياً لنصوصنا فهذا يعني أننا نريد كتابة النص المقارب للحقيقة، لكن الحقيقة في لبوس الأدب.

undefined كيف كان التحدّي بالنسبة إليك في تناولك المراحل التاريخيّة الطويلة، والأماكن الكثيرة التي جرت فيها أحداث روايتك على مستوى التقصّي والاقتفاء والمتابعة؟

التحدي يكمن في البحث، والتفرغ لهذا البحث المضني والشيّق في الوقت نفسه. عملية البحث من هذا النوع تشبه لعبة الصناديق المغلقة في قلب صندوق كبير، كلما فتحت صندوقاً عثرت على صندوق آخر في بطنه وهكذا. عادة أضع ما يشبه مخططا هيكليا للنص، وأعرف مسبقا طريقي إلى الأرشيفات التي يلزمني التسلل إليها لأجل جمع المعلومة اللازمة للنص.

undefined في روايتك الأخيرة "ألماس ونساء" شخصيّات نسائيّة متمرّدة على واقعها ومجتمعها، تختار مصيرها بنفسها، تتحدّى السلطات الاجتماعية وتكسر الأطواق والقيود، هل هذه صور المرأة المنشودة التي تبحثين عنها؟

رواية
رواية "ألماس ونساء" حاولت رسم صورة للمرأة النموذج حسب كاتبتها (الجزيرة)

حاولتُ بشكل جدي رسم "بورتريه" للمرأة المنشودة، المرأة التي يحلم العالم أن تكون هي في كل أنحائه، المرأة التي تعمل مجتمعاتنا العربية على وأدها تحت شتى الشعارات، تارة باسم الدين وتارة أخرى باسم المجتمع أو التقاليد، إنها المرأة التي يفترض أن تكون النموذج لأجل أن نعيش ذات يوم في مجتمع حضاري يواكب بقية العالم المتنور والمتحضر.

undefined تبدو بطلاتك "ألماظ، وبرلنت، وزوفينار، ونادجا" صوراً لبعضها البعض من حيث الثورة والتمرد والجنون والخاتمة المفجعة. لماذا تختارين لهنّ نهايات أليمة؟

"برلنت" أعتبرها البطلة الحقيقية لـ"ألماس ونساء"، إنها البطلة التي رفضت باكراً ما قد يفرضه المجتمع عليها، كانت ترى أحلامها ومآربها، لهذا استطاعت أن تصمد حتى النهاية فارضة شروطها هي، ربما السبب يعود إلى الظرف الزمني الذي وجدت فيه، إضافة إلى طباعها الشخصية. بينما "ألماظ" كانت امرأة متمردة حقيقية لكن الظرف الاجتماعي لزمنها وقف في طريقها، وهذا ينطبق على كلّ من "زوفينار" و"نادجا"، لأن الموت خاتمة بشرية طبيعية، فليس مهمة الأدب أن ينقذ أحداً من الموت، إنما أن يناقش الطرق التي نسلكها نحوه.

undefined طرحتِ صورة دمشق وأشرت إلى مكانتها التاريخيّة المعتبرة، هي التي ظلّ يسودها التعايش والتسامح بين أبناء مختلف الأديان والإثنيات. كيف ترين دمشق بين الأمس واليوم وغدا؟

دمشق أكثر إناث الشرق خبثاً ومكراً ودهاء، مدينة استثمرت أربع جهات لتفتح سبع بوابات، تاريخها يشهد لها أنها تعرف كيف تمسك مفاتيحها جيداً. ليس من المنطقي أن نخشى على مدينة شرعت بواباتها على مرّ التاريخ لكل من قصدها هرباً من الموت والفناء، واحتوت أعراقاً مختلفة وديانات متنوعة، مستقبل دمشق مسجّل في ماضيها وتاريخها.

المصدر : الجزيرة