أسئلة الكتابة

الكاتب يريد أن يكتب بحرية، بلا أسئلة ولا أجوبة، ولا بمن يذكره بأن هناك جدوى من الكتابة، هناك أشياء تفور في أعماق الناس، ويودون أن تخرج، وغالبا ما يكن الخروج ذلك كتابة

* أمير تاج السر

طرح علي عدد من القراء، في رسائل شخصية سؤالا أعده في غاية الأهمية، ويمكن أن يكون قد طرح علي غيري من المنتسبين إلى عالم الكتابة، كثيرا من قبل، لكن طرحه الآن في زمن الإنترنت وسطوتها، وتداعيات ثورات الربيع العربي، والحياة المادية والتكنولوجية، المسيطرة على الجميع، يصبح في رأيي الشخصي، أكثر أهمية، ولن تكون الإجابة قطعا، كما لو أنه طرح في ستينيات أو سبعينيات، أو ثمانينيات القرن الماضي، حين كانت الكتابة هي كل الترفيه الذي يمكن أن يحصل عليه أحد.

السؤال: لماذا نكتب؟
الحقيقة أن كثيرين من الذين يكتبون، سواء حصلوا على فائدة من الكتابة أو لم يحصلوا على الإطلاق، يتغاضون كثيرا عن طرح مثل هذه الأسئلة المتعلقة بالكتابة، بوصفها قد تكون أدوات إحباط كبرى، لو حاولوا أن يعثروا على إجابات لها.

في متابعاتي المكثفة للصفحات الثقافية، ومواقع الإنترنت المتعددة، وموقعي تويتر، وفيسبوك الجاذبين للكل أكثر، أجد أن قطاعات كبيرة من الناس تكتب، لا يهم ما يكتبون ولمن يكتبون، وإن كانت الكتابة تصل لأحد أم لا؟ ولكنهم مستمرون في الكتابة

الكاتب يريد أن يكتب بحرية، بلا أسئلة ولا أجوبة، ولا بمن يذكره بأن هناك جدوى من الكتابة، أو عدم جدوى على الإطلاق، هناك أشياء تفور في أعماق الناس، ويودون أن تخرج، وغالبا يكون الخروج ذلك كتابة، لأنها الوسيلة الأسرع والأخف، وفي متابعاتي المكثفة للصفحات الثقافية، ومواقع الإنترنت المتعددة، وموقعي تويتر وفيسبوك الجاذبين للكل أكثر، أجد أن قطاعات كبيرة من الناس تكتب، لا يهم ما يكتبون ولمن يكتبون، وإن كانت الكتابة تصل لأحد أم لا، ولكنهم مستمرون في الكتابة.

تجد كتاب القصة، وكتاب الشعر والرواية، وكتاب الخواطر السريعة، وبعض عبارات فلسفية أو عاطفية مستلفة من هنا وهناك، أو مؤلفة من البعض، وتجد تعليقات الاستحسان غالبا، وفي المواقع التي تتيح للقراء فرصة أن يعلقوا على مقال قرؤوه، مثل موقع الجزيرة نت، ومواقع معظم الصحف العربية اليومية، تجد قراء يكتبون كلاما كثيرا، وفي أحيان كثيرة، لا تكون تعليقاتهم مختصة بالمقال المتصدر للصفحة، إنما يخترعون كتابة أخرى، من أجل أن يكتبوا.

وهناك أسماء من كثرة ما نصادفها، أصبحت راسخة في أذهاننا، مثل  واحدة اسمها سلوى، لا تترك موضوعا في موقع ما إلا كتبت تعليقها عليه، وقارئ آخر تخصص في البحث عن الأخطاء التحريرية في المقالات، ويقوم بتصويبها، حسب رأيه، لكنه أثناء عملية التصويب تلك، يكتب أشياء كثيرة، يود لو قرأها الناس.

أما الكتاب الذين عبدوا طريقهم في سنوات طويلة، وأصبحت لهم مكانتهم الكبرى في هذا المجال، مثل بعض الروائيين وكتاب القصة القصيرة، فإنهم يتلقون عشرات الرسائل وعشرات المخطوطات يوميا، من كتاب حديثي العهد بالكتابة، يبحثون عن ضوء أخضر، وعن غطاء كبير، يقرر لهم مشروعية كتابتهم، حتى يستمروا بمعنويات أفضل، وهكذا نجد الدنيا كلها تكتب، لكن بفروق واضحة، الفروق التي تجعلني أطرح سؤالا آخر:

من هو الكاتب الجدير بأن يكتب؟
أما السؤال الأول، أي سؤال الكتابة، فليست هناك إجابة محددة مهما اجتهدنا في البحث عنها، وأستطيع أن أقول بأن الكتابة الملهمة، جزء من تركيب شخصية بعض الناس، ولدوا بها واستمروا بها، ودائما تجد تاريخا يعود إلى زمن الطفولة، والدراسة المبكرة، يرسم هؤلاء الأشخاص، تلاميذ واسعي الخيال، يطاردون الكتب، يحكون قصصا خيالية، لم تحدث، ويحصلون على درجات جيدة في حصص الإنشاء التي تستوجب تفعيل الخيال، وغالبا يوصفون بأنهم كذابون.

الكاتب الجدير بأن يستمر في الكتابة، ويصنع له قاعدة قراء تتابع ما ينتجه، ويدرج في حوارات صحفية، ولقاءات مذاعة ومتلفزة، ويستعان به في محاضرات عن الكتابة، وغيره، هو الكاتب الذي يستطيع أن يميز بسهولة من وسط ذلك الكم الهائل من عشاق الكتابة، بلا مقدرات حقيقية

وتجد هؤلاء بعد أن كبروا قليلا، قد صاغوا خواطر عاطفية، أو كتبوا الشعر والقصة، وحولوا العلاقات العابرة في محيطهم الضيق، إلى مواقف مصوغة بفن، يقرؤونها على زملاء الدراسة بانتشاء ثم يسعون بعد ذلك للنشر الموسع.

ونادرا جدا أن تجد كاتبا طرق تلك السكة، بعد أن كبر وتكونت شخصيته، وهنا أيضا أقول بارتياح، إن ثمة جرثومة مبدعة، تعشش في الدم، ولا تخرج أبدا، لكن وقت ظهورها ربما يتأخر عند البعض، أو تحجبها مشاغل معينة وأولويات، عن الظهور. وكلنا يعرف أن كاتبا عظيما مثل البرتغالي جوزيه ساراماغو، بدأ الكتابة متأخرا، أي بعد تجاوزه لسن الأربعين، وكان يقول بأنه لو مات في سن الستين، لما ترك أي أثر يذكر. وهناك آخرون شبيهون بساراماغو، تجدهم في أي ثقافة من الثقافات. وأعرف شخصيا كاتبا عربيا جيدا، بدأ الكتابة بعد سن الخمسين، ونجحت روايته الأولى، وكان ذلك محفزا لكتابة غيرها.

أعود إلى سؤالي الثاني، عن جدارة الكتابة من عدمها، فأقول بأنني أعتقد بكل أمانة، أن الكاتب الجدير بأن يستمر في الكتابة، ويصنع له قاعدة قراء تتابع ما ينتجه، ويدرج في حوارات صحفية، ولقاءات مذاعة ومتلفزة، ويستعان به في محاضرات عن الكتابة، وغيره، هو الكاتب الذي يستطيع أن يميز بسهولة من وسط ذلك الكم الهائل من عشاق الكتابة، بلا مقدرات حقيقية.

الكاتب الذي يستطيع أن يرسم عالما غير مسبوق، يكتب بلغة غير متداولة، ويخرج من محك التكرار والوقوع في فخاخ التأثر الكبير الواضح بآخرين، وتشير إليه كتابته، في أي وقت لتقول بأنني كتابته.

الآخرون أعتبرهم قراء مواكبين، أو كتابا تحت التدريب، حتى ينالوا ثقة اللغة التي يكتبون بها، وتلك الساعة، لن يقف في طريقهم أحد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روائي وكاتب سوداني

المصدر : الجزيرة