"فاطمة نسومر".. رمز لكفاح الجزائر ضد المستعمر

فاطمة نسومر تتحدى الجنرال راندون وهي أسيرته وتتوعده باستمرار المقاومة
الممثلة الفرنسية ليستيسيا إيدوو جسدت شخصية فاطمة نسومر (الجزيرة)

أميمة أحمد-الجزائر

في 96 دقيقة يلقي الفيلم الجزائري "فاطمة نسومر" للمخرج بلقاسم حجاج، الضوء على المقاومة الشعبية للاستعمار الفرنسي في منطقة القبائل أواخر أربعينيات القرن التاسع عشر عبر شخصية فاطمة نسومر التي كانت رمزا من رموز المقاومة الجزائرية.

حجاج الذي عاد بعد سنوات من الغياب عن الإخراج السنيمائي، يعود بهذا الفيلم ليصوّر جوانب مختلفة من حياة نسومر التي بدأت حياتها بالتمرد على العادات التي تجبر البنت على الزواج بمن يختاره الأهل، فترفض الزواج من ابن عمها، الذي أعادها لبيت أهلها ليلة الدخلة رافضا تطليقها، لتبقى على عصمته حتى مماتها.

حجاج: للأسف عندما نتحدث عن ثورتنا نعتبر أن كل المشاركين فيها أبطال (الجزيرة)
حجاج: للأسف عندما نتحدث عن ثورتنا نعتبر أن كل المشاركين فيها أبطال (الجزيرة)

نسومر التي انصرفت في بيت أهلها للعبادة وتلقي علوم الدين من والدها قيّم الزاوية الرحمانية، عرفت بين أعراش القبائل بالورع وبيدها المباركة في شفاء المرضى، ولم تكن مجرد امرأة عادية في ذلك الوقت، بل كان لها دور مهم في محاربة الاستعمار الفرنسي.

يغيّر لقاء نسومر بشخصية الشريف بوبغلة -الغريب عن منطقة القبائل- مسار حياتها، ففي رحلة بوبغلة للبحث عن منطقة آمنة من سيطرة المستعمر الفرنسي يلتقي نسومر، فأوقد اللقاء بينهما شرارة الحب، ودفع فاطمة للمشاركة في المعارك ضد المستعمر الفرنسي.

أحداث مهمة
يعود الفيلم ليصوّر ويوثق عددا من الأحداث التاريخية المهمة التي غّيرت حياة نسومر وتاريخ المقاومة الجزائرية، فبعد موت بوبغلة عام 1854 تستنهض نسومر الأعراش لقتال الغزاة الفرنسيين، وعلى مدار ثلاث سنوات تمكنت من صد هجماتهم.

وفي عام 1857 يقود الجنرال روندون حملة ضدها قوامها 35 ألف جندي بكامل السلاح والمدافع، فترددت بعض الأعراش -في البداية- في مؤازرة نسومر التي كانت تتحدى المستعمر، مؤكدة أنه ليس من خيار أمامهم إلا القتال "حتى لا يلعننا الأجداد".

نهاية الفيلم أظهرت تحدي فاطمة نسومر للجنرال الفرنسي عندما خيّرها بين المنفى أو السجن، فقالت "أنا أسيرة وأنت صاحب القرار، لكن أعلمك أن المقاومة لن تتوقف حتى يزول الظلم"، لتودع السجن بعد ذلك.

فاطمة نسومر تكسر التقاليد وتخاطب أعيان أعراش القبائل التي يحظر فيها وجود المرأة(الجزيرة)
فاطمة نسومر تكسر التقاليد وتخاطب أعيان أعراش القبائل التي يحظر فيها وجود المرأة(الجزيرة)

الممثلة الفرنسية ليستيسيا إيدوو التي تقمصت شخصية نسمور، قالت للجزيرة نت إنها "وجدت صعوبة بالغة في تقمص شخصية فاطمة نسومر المتمردة بهدوء، والمتميزة بالحكمة والثقافة ومهارة القتال، إلى جانب ورعها وحياتها الروحية"، مشيرة إلى أنها شخصية مركبة وغنية، وأن ما زاد الدور صعوبة هو أن الحوار باللغة الأمازيغية، التي تعلمتها لتجسيد الشخصية.

ماتت نسومر أو "عذراء الجبل" كما لقبوها عام 1863 عن عمر 33 عاما، وأرّخت لنضال المرأة الجزائرية، التي كان له دور مشهود في ثورة التحرير.

وقائع وحقائق
بين الوقائع التاريخية والجانب الفني، قدّم المخرج الجزائري حجاج للمشاهدين فكرة عن النضال ضد المستعر الفرنسي، وعن بعض الشخصيات التي كان لبعض منها دور بارز في مقاومة المستعمر، في حين لم يكن للبعض الآخر الدور ذاته.

ويقول حجاج "للأسف عندما نتحدث عن ثورتنا نعتبر أن كل المشاركين فيها أبطال، لكن الواقع غير ذلك، هؤلاء بشر فيهم المناضل والخائن"، موضحا أن تلك المقاومة لم تكن دفاعا عن وطن، لأن فكرة الوطن لم تكن قائمة آنذاك، فلكل قبيلة وطنها وهويتها، لهذا الأمير عبد القادر -حسب رأيه- لم يستطع توحيد البلاد لأن فكرة الوحدة الوطنية لم تكن موجودة.

المخرج علي بركينو:
وقائع التاريخ تبقى للمؤرخين، أما الفيلم فحكى بفنية عالية واحترافية تاريخ فاطمة نسومر

وبيّن حجاج في تصريحه للجزيرة نت أنه أراد أن يبرز من خلال الفيلم أن النضال ضد المستعمر كان صعبا.

أما المخرج السينمائي علي بركينو فيرى أن الفيلم "حكاية للتاريخ وليس تأريخا"، وقال للجزيرة نت "إن وقائع التاريخ تبقى للمؤرخين، أما الفيلم فحكى بفنية عالية واحترافية تاريخ فاطمة نسومر".

من جهته قال الممثل زهير بوجرار "إن الفيلم كشف حقائق عن شخصية تاريخية بقيت أسطورة بالمخيال الشعبي عبر الأغاني والقوّالين"، وأضاف "أن ما كان يتخيله عن فاطمة نسومر أكثر بكثير مما عرضه الفيلم".

يشار إلى أن فيلم فاطمة نسومر يأتي ضمن سلسلة أفلام تاريخية سبقته، تناولت المسيرة النضالية لرموز الحركة الوطنية الجزائرية، في إطار احتفالية الجزائر عام 2012 بخمسين سنة على الاستقلال.

المصدر : الجزيرة