القدس تجمعنا.. وثائقي يجسد معركة الصمود بفلسطين

محمد محسن وتد-القدس المحتلة

على جبل الطور بالقدس المحتلة، بدا الطفل حسن زغير مثقلا بالهموم وبفصول معركة البقاء والوجود على أرض الوطن.

تسلح بمعول ضاربا الجبل المطل على المسجد الأقصى ليحفر ويتجذر في الأرض بغرسه شجرة زيتون، ويزرع بقلبه بذور الأمل وينهض من عمق المعاناة بمسيرة النضال والصمود لمواجهة كوابيس الاحتلال الإسرائيلي التي تطارده وتعكس لديه مشاهد التشريد وهواجس التهجير المتواصلة منذ النكبة.

وانغرس حسن في الأرض إلى جانب شجرة الزيتون التي ترمز للصمود والبقاء ليطل على البلدة القديمة الخاضعة للتهويد والاستيطان والتفريغ من المقدسيين.

وفي نظرة ثاقبة على المسجد الأقصى ينتقل عبر الفيلم الوثائقي "القدس تجمعنا.. الأقصى يوحدنا.. الأرض لنا" الذي أنتجته مؤسسة "القدس للتنمية"، ليسرد بصورة معقدة ومركبة قصص وحكايات التهجير وفصول النكبة التي ما زالت تداعياتها ماثلة في كل أنحاء فلسطين التاريخية.

وبينت الروايات القادمة من سخنين بالجليل وشمال فلسطين مرورا بالساحل ويافا وصولا إلى القدس والأقصى، حجم معاناة الفلسطيني الذي يواجه تحديات ومخططات المشروع الصهيوني.

‪محمود الصادق: الفيلم وثق معركة الفلسطنيين من أجل البقاء‬ (الجزيرة نت)
‪محمود الصادق: الفيلم وثق معركة الفلسطنيين من أجل البقاء‬ (الجزيرة نت)

وتدور أحداث الفيلم في الفضاء الذهني للطفل حسن الذي ينقلها بنظراته في مشاهد سردية عكست الأزمنة والأحداث والتحولات بنمط التفكير التفاعلي للنشء مع القضية الفلسطينية بكافة مركباتها وعناصرها.

واختلطت المشاعر على حسن ما بين التحلي بالصبر وقوة الدفع بمسيرة النضال وسط بركان من الغضب الداخلي، وبين لحظات من الانتكاسة والإحباط.

لكن الهيمنة كانت لمشاعر الارتباط والانتماء للأرض والوطن بغرض الصمود والبقاء إزاء غطرسة المحتل الإسرائيلي، لتكسر طوق الحصار بنظرة تفاؤل وترسيخ القناعات بالثبات والتشبث بالوطن والحلم بالحرية والاستقلال، لتلتحم الجغرافيا الفلسطينية بالقدس وتحضن الطفل حسن بأشجار الزيتون القادمة من كافة ربوع الوطن.

مشاهد وروايات
وبصمت قاتل يغوص المخرج محمود الصادق في مخيلة الطفل حسن ليؤطر مشاهد الصراع التي يعيشها الفلسطيني مع المؤسسة الإسرائيلية، ويستصرخ بلغة فنية وثقافية الضمير الإنساني لنصرة الشعب الفلسطيني والتعريف بقضيته ووجعه وإنهاء معاناته المتواصلة منذ 66 عاما.

ومضى المخرج -مع توالي تساقط أغصان الزيتون الذي زرعه الطفل حديثا- في سرد الرواية وصقل الذاكرة الجماعية للشعب الفلسطيني.

وتنقل بين الحقب التاريخية بمشاهد التصوير التي وثقت على لسان أصحاب الأرض الاقتلاع والمصادرة والهدم والتشريد، وعكست مضمون الأهمية الرمزية لأشجار الزيتون في مخيلة وذهن ووجدان الطفل.

وأوضح الصادق في حديث للجزيرة نت أن الفيلم وما حمله من دلالات فنية وثقافية ورسائل سياسية، شخّص بعمق روايات الصمود والبقاء المتناثرة للشعب الفلسطيني في ربوع الوطن، لتلتقي بالقدس والأقصى في مشاهد استذكرت هول وهواجس تداعيات نكبة فلسطين عام 1948 وأحداث يوم الأرض التي تفجرت عام 1976.

حامد إغبارية شدد على أهمية توظيف الفن في خدمة القضية الفلسطينية (الجزيرة نت)
حامد إغبارية شدد على أهمية توظيف الفن في خدمة القضية الفلسطينية (الجزيرة نت)

تفاعل وتضامن
من جانبه، يولي عضو إدارة مؤسسة الرسالة للإنتاج الفني الإعلامي حامد إغبارية أهمية قصوى للفن والثقافة في التأثير على الرأي العالمي.

ويرى أن الفن بمختلف أنواعه جزء لا يتجزأ من الحالة الإعلامية والصحفية لمخاطبة الجمهور، إن كان على مستوى الصورة أو الفيلم الوثائقي والمسرح، ليضاف إلى وسائل التأثير التي يمكن أن تستقطب الجماهير بالتفاعل والتضامن مع قضايا الشعوب والمجتمعات المستضعفة والمضطهدة.

وشدد إغبارية في حديث للجزيرة نت على أهمية توظيف الفن في خدمة القضية الفلسطينية وطرحها على الأجندة الدولية، مبينا مكانة ودور الإنتاج التلفزيوني والأعمال الفنية والمسرحية والإبداع الثقافي كآلية للتأثير وسلاح لمواجهة المشروع الصهيوني.

ويعتقد أن الفن لا يمكن فصله عن الصحافة، وعليه فإن الحضور الفني والثقافي لمعاناة ومأساة وقضية المواطن الفلسطيني يسهم في رفع معنوياته كصاحب حق، ويعكس أن هناك من يهتم بواقعه المأساوي.

ويرى أن إيصال قضية الشعب الفلسطيني إلى الرأي العام العالمي يعزز من صموده وتشبثه بالأرض والوطن، ويسلحه بالمعنويات في معركة صراع الإرادات والروايات مع الاحتلال.

المصدر : الجزيرة