الأغنية الفلسطينية نبع متجدد للإبداع والمقاومة

الفنانة أمل مرقس
الفنانة أمل مرقص قدمت الأغنية الفلسطينية بشكل متجدد مع كل من ريم تلحمي وريم بنا (الجزيرة)
undefined

فاتنة الغرة
 
منذ الأغنية الشهيرة "من سجن عكا طلعت جنازة" التي سجلت بطولات محمد جمجوم وعطا الزير وفؤاد حجازي في مقاومة الاحتلال البريطاني، استطاعت الأغنية الفلسطينية أن تصنع لها مكانا مختلفا في ساحة الأغنية العربية.
 
وتتكئ الأغنية الفلسطينية على تراث شعبي ثري، وعلى وجوه عديدة لمحنة وطن وشعب ومسار نضالي ألهم مبدعين كثيرين في مراحل مختلفة، مما جعلها ترتبط في الأذهان بالكلمة المقاومة واللحن المناضل.
 
ولكن موسيقيين فلسطينيين عباقرة أمثال رياض البندك وحليم الرومي وروحي خماش حلقت موسيقاهم في العالم العربي بعيدا عن نمط الأغنية المقاومة، لكنها أنجزت تجربة موسيقية مبدعة وفريدة خطا على دربها فنانون آخرون.

وشهدت مرحلة الثمانينات قفزة نوعية وحضورا ثريا للأغنية المقاومة التي كانت ترافق تطورات حركة المقاومة الفلسطينية، والتي عبرت عنها مجموعة من الفرق أبرزها فرقة "العاشقين" وفرقة "صابرين" من خلال كلمات أهم الشعراء الفلسطينيين أمثال محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد وأحمد دحبور وصلاح الدين الحسيني، وغيرهم، واشتهرت أغنيات مثل "اشهد يا عالم علينا وع بيروت" و"طل سلاحي من جراحي" وغيرها.

‪الفنانة ريم تلحمي: الأغنية الفلسطينية تمتد لتنسجم مع الموروث العربي والشرقي‬ (الجزيرة)
‪الفنانة ريم تلحمي: الأغنية الفلسطينية تمتد لتنسجم مع الموروث العربي والشرقي‬ (الجزيرة)

تراث وتجديد
وأدت مرحلة ما بعد اتفاق أوسلو إلى ظهور نوع جديد من الأغاني الفلسطينية في فلسطين تحديدا شارك فيها عدد من المغنين من بينهم عبد المنعم عدوان وجمال النجار، وظهرت أغاني مثل "بلدي غزة يا غزة" و"صامد يا غالي" و"علي الكوفية" وكلها كانت أغاني تتماشى مع راهن  الحياة السياسية الفلسطينية.

وتماشيا مع تطورات الواقع الفلسطيني، أخذت الأغنية منحى مختلفا وبدأت تظهر تجارب تحاول تقديم شكل أكثر تطورا وبعيدا عن الثورية المباشرة أبرزها تجربة كاميليا جبران، كما ظهرت أصوات تقدم الأغنية بشكل متجدّد مثل ريم تلحمي وأمل مرقص وريم بنا.

وفي سياق تطور التجربة الفنية الفلسطينية وتجددها، ظهرت فرق موسيقية فلسطينية مثل الثلاثي جبران ومشروع الإخوة خوري، كما برزت في السنوات الأخيرة تجارب لاقت نجاحا في الوسط الفلسطيني خاصة في الضفة الغربية مثل تجربة باسل زايد وشادي زقطان وغيرهما.

وترى المطربة ريم تلحمي أن الأغنية الفلسطينية بخير من حيث غنى التجارب الفنية الموسيقية "حيث نجد الأغنية الوطنية والتراثية والطربية والأوبريت والحداثة والتجريب، ونجد الشرق والغرب".

وأشارت صاحبة "يا جبل" إلى أن "الأغنية الفلسطينية تمتدّ لتنسجم مع الموروث العربي الشرقي الكبير الواسع، تنهل منه وتختلف معه وتطرح البدائل، لترسيخ الوطن".

وتؤكد تلحمي أن المشهد الموسيقي الفلسطيني متاح للجميع، فهناك أعمال تتبع المرحلة، وأخرى تذهب بالتراث الفلسطيني إلى التجديد أو أحيانا إلى التدمير، وأخرى تتعلّق بالغناء الشعبي فيختلط التراثي بالشعبي دون التنبّه إلى الاختلاف بينهما، وأخرى تنقل أوجاعا وهموما بأبسط لغة ممكنة، وأخرى تبتعد عن الناس، وهناك أيضا القصائد، والأغاني بالعامية الفلسطينية، وأغاني الشعر وأغاني النثر، وهناك الطرب، والقائمة تطول".

المشهد الموسيقي الفلسطيني قوي ومتنوع ومختلف ببعده وعمقه ونضوجه عن التجارب العربية

تجارب مهمة
ولهذا، فكما تعتقد تلحمي، فإن الأغنية الفلسطينية وصلت إلى أماكن بعيدة جدا، وأثبتت تجارب بعض الفنانات والفنانين جودتها وهيبتها ورسوخها وتطورها.

وترى تلحمي التي أصدرت منذ أشهر قليلة ألبومها الذي حمل عنوان "يحملني الليل" أن تجربتها "ممتدّة وجميلة رغم كل صعوباتها والمشاكل التي واجهتني في عملية الإنتاج، والوقت الذي استغرقه المشروع عامة، وهي استكمال لمشروعي الخاص في جعل فني وغنائي مكرسا ومجنّدا من أجل قضايا البلد".

وتضيف أن الحديث عن المدن المحاصرة وتناول غزة كمدينة أساسية في هذا العمل، جعل المشاعر مكرّسة كلها من أجل إظهار جمال هذه المدينة، والحياة فيها، وتبيّن فيما بعد أن هذا حبّب الناس أكثر في غزة وأصبحوا توّاقين لزيارتها والانتباه إليها "ويكفيني هذا ليكون العمل منجزا ناجحا وله تأثير كبير على الناس".

من جهته، يعتبر الفنان الشاب شادي زقطان أن "المشهد الموسيقي الفلسطيني قوي ومتنوع ومختلف ببعده وعمقه ونضوجه عن التجارب العربية، وهو في طريقه لتكوين تجربة فريدة ستشكل إرثا ثقافيا ملونا لأجيال من الزمان".

وعن تمثيله لما يسمى غناء "under ground" أو الهامش، يستغرب زقطان من وصف موسيقى أو أغاني كأعماله (كغناء من تحت الأرض) حيث إن هذا المصطلح يلغي وجود العديد من التجارب الفنية.

ويضيف أن "تحت الأرض هو ما يحدث ولا نعلم عنه، لكن الموسيقى موجودة ولو لم نسمعها" حيث يراها ثورة على وضع إطار لشكل الأغاني المقاومة وبالتالي لسؤال حول ماهية المقاومة، فكل الأغاني مقاومة من وجهة نظره ولو تحدثت عن الغيوم مثلا".

المصدر : الجزيرة