يوميات فريدا كاهلو.. الريشة الجريحة

غلاف الترجمة العربية لكتاب "يوميات" للمكسيكية فريدا كاهول
undefined
كمال الرياحي
 
لم تكن الرسامة المكسيكية فريدا كاهلو رسامة عادية، ولا كان نجاحها من النجاحات المخملية التي ما إن يغادر أصحابها الحياة حتى تقبر أعمالهم في المتاحف والأروقة. ولم ينافس أسطورة كاهلو (1907-1954) سوى كافكا في الأدب، حيث تحولت صورة كل منهما إلى أيقونة للتحدي، مثّل الفن والألم طرفيها.

ويكشف كتاب صدر مؤخرا -عن دار نينوى السورية، ونقله إلى العربية المترجم علاء شنانة تحت عنوان "يوميات فريدا كالو.. لوحة حميمة"- ملامح أخرى من وجه الرسامة المكسيكية الشهيرة. 

وليس الكتاب سوى يوميات فريدا الرسامة بتقديم لصاحب رواية "كرسي الرئاسة" الروائي المكسيكي كارلوس فوينتس، ختمه بقوله "إن فريدا كالو لن تغمض عينيها البتة، لأنها كما تقول في يومياتها للجميع ولنا أكتب للجميع بعيني".

في حال يوميات فريدا كاهلو -التي تنتزع فيها اللوحات والمخططات القسم الأكبر وتتراجع الكتابة إلى درجة ثانية- نخرج من كلاسيكيات البوح الحرفي إلى البوح اللوني

نسخة أصلية
ينهض الكتاب وثيقة فعلية لأنه أورد المخطوط الأصلي كما هو، في البداية بشكل مصور وبالألوان وهو عبارة عن مجموعة كبيرة من اللوحات ونصوص نثرية وشعرية لفريدا، ثم جاء النصف الثاني من الكتاب ترجمة للنصوص وتعليقا على اللوحات التي احتواها المخطوط.

وتضمن هذا المخطوط المصور ١٧١ صفحة تبدأ بصفحة مجلدة كتب عليها
"أف كاي" (F.K) أول حروف اسم فريدا كاهلو، واذا استحضرنا وظائف العنوان كما حددها جيرار جينات في كتابه "عتبات" فإن هذه الصياغة للعنوان تدفع بالكتاب نحو أفق أجناسي محدد يجعله في موضع الكتابة الأوتوبيوغرافية نتيجة شرط التطابق بين اسم العلم والسارد، وهو ما يؤكده المحتوى ويؤكده العنوان العربي "يوميات".

رغم محاولات المنظرين لجنس اليوميات من فيليب لوجون في مؤلفاته الكثيرة إلى فرانسوا سيمون تينانون إلى باتريس دي دياي فقد ظل هذا الجنس منفلتا عن الضبط والتحديد، ولا نتعرف عليه إلا من خلال علامات عامة كاحترام التسلسل الزمني وقرب زمن الحكي من الحدث وعدم الانتقاء للأحداث وحميمية الكتابة بصفتها كتابة يتوجه بها كاتبها للذات نفسها، ولا تكتب بغرض النشر.

وفي حال يوميات فريدا كاهلو -التي تنتزع فيها اللوحات والمخططات القسم الأكبر وتتراجع الكتابة إلى درجة ثانية- نخرج من كلاسيكيات البوح الحرفي إلى البوح اللوني.

لم تقاوم كاهلو التجربة المريرة مع المرض والمصائب الصحية التي تعرضت لها إلا بالريشة، تلك الريشة هي التي دونت آلام روحها وآلام جسدها وأحزانه من الساق المعوقة والمشوهة إلى ذلك العمود الفقري المهشم إثر حادث الحافلة الذي تعرضت له.

اختارت فريدا أن تتعرف على نفسها وتختبرها برفع المرآة في وجهها المتألم، لذلك ظلت مثبتة عليه ترسمه بلا توقف، والمرآة هي الاستعارة الكبرى للتعرف على الذات، مرآة تنزل من السقف تقول للمرأة الممددة على ظهرها إن الألم عنوان حياة.

استطاعت كاهلو أن ترى في جسدها الجريح والمعذب والمنكوب طوال الوقت من الإعاقة وحوادث السير والخيانات جمالا استثنائيا خطته في يومياتها بريشتها تارة وبقلمها تارة أخرى

صيغة جديدة للعالم
يقول فوينتس "طلب منا سقراط -المشهور بقبحه- أن نغلق أعيننا لغاية رؤية الجمالي الداخلي الحقيقي. وتذهب كاهلو تذهب إلى ما هو أبعد من المطالبة السقراطية، تطالبنا بإغلاق عيوننا وفتحها على الفور لنرى صيغة جديدة للعالم"، ومن ثمة فرؤية الجمال مغامرة وتجربة ليست متاحة لجميع من حمل عيونا تنظر، إنما هو في حاجة لفئة من الناس لها أعين ترى.

استطاعت فريدا كاهلو أن ترى في جسدها الجريح والمعذب والمنكوب طوال الوقت من الإعاقة وحوادث السير والخيانات جمالا استثنائيا خطته في يومياتها بريشتها تارة وبقلمها تارة أخرى.
وقد مثل دييغو رسامها وزوجها وحبيبها الخائن موضوعا لعديد اليوميات، إذ تقول فيه "دييغو/مرآة الليل/عيناك سيوف خضراء داخل لحمي/موجات بين أيدينا/أنت كلك موجود في المكان مليء بالأصوات، في الظل والضوء..".

حتى أنها رأت نفسها مثل نفرتيتي حين تكتب مع لوحة للملكة المصرية "زوجان قريبان لبلد/النقطة والسطر". وتردفها في يوم آخر بلوحة لنيفر إله الجنون يأخذ الكثير من ملامح فريدا المجنونة بحب الحياة الهاربة.

وتظل يوميات فريدا -التي كانت اللوحات أكثر فصاحة فيها من الحروف- تقول وجعها وحبها لدييغو  ولذاتها من خلال كم البورتريهات التي خطتها، كما كانت اليوميات فسحة للبوح بالآلام المتجددة والتي كانت فعلا خبزها اليومي.

وتجد التأملات والأفكار موطنا لها في يوميات كاهلو التي تعطي مفهوما رائعا للثورة عندما تقول "إن الثورة هي انسجام الشكل واللون، وكله يتحرك بإمرة قانون واحد "الحياة، لا شيء منفصل عن شيء، لا أحد يحارب من أجل نفسه، الكل هو الكل وواحد، الحزن، الألم، المتعة، الموت".

المصدر : الجزيرة