نظمت الجامعة الوطنية للغات في العاصمة الأوكرانية كييف مهرجان اللغات الثاني من نوعه في البلاد، برعاية منظمة الأمم المتحدة واليونيسكو. ولم تغب اللغة العربية عن المهرجان.
وحلت ذكرى عميد الأدب الأوكراني الحديث وواضع أسس اللغة الأدبية الأوكرانية المعاصرة، في خضم أزمة سياسية كبيرة وحالة ثورية ملتبسة، ولم تفوّت السلطات الجديدة هذه المناسبة بهدف استثمارها سياسيا في محاولة لاستنهاض الشعور القومي، فانبرى الرئيس الأوكراني المعين فيكتور يوشينكو لإحياء ذكرى الشاعر المرموق ووضع إكليلا من الزهور على تمثاله بمدينة باكو.
وفي ظل تداخل التاريخي بالجغرافي والسياسي، لم يخرج شيفتشنكو أيضا عن دائرة النزاع الروسي الأوكراني، فروسيا أقامت له عام 1964 تمثالا في موسكو بأمر من الزعيم الراحل نيكيتا خروشوف، وفي ذلك استحضار لتاريخ هذا الشاعر الثوري الذي كان مناهضا لسلطة القياصرة التي عصفت بها الثورة البلشيفية عام 1917.
ويأخذ تمثال الشاعر الكبير مكانه مجددا في متنزه بالقرب من فندق أوكرانيا بموسكو بعد أن أزيح الستار عنه يوم السابع من مارس/آذار الجاري مع انتهاء عمليات ترميمه التي بدأت عام 1995.
الشاعر والثوري
ولد شيفتشنكو عام 1814 لأسرة من المزارعين العبيد (الأقنان) في قرية مورينستي في أوكرانيا حاليا، والتي كانت وقتها جزءا من الإمبراطورية الروسية.
تيتم في سن مبكرة، وعمل منذ طفولته خادما، وفي سن الـ 17 انتقل مع سيده "آنغل غارت" إلى مدينة سان بطرسبورغ حيث تعلم الرسم وتعرف على عدد من الرسامين والأدباء الكبار، كان بينهم الفنان الروسي الشهير كارل برولوف الذي افتداه بالمال وحرره من ربقة العبودية عام 1838، بعد أن اكتشف موهبته الشعرية.
كان لبرولوف تأثير كبير على تجربة شيفتشنكو الأدبية، إضافة إلى الفضل الإنساني في عتقه، وفي عام 1840 أصدر كتاب "كبزار"، وهو أول كتبه في مجال الشعر. ويشير العنوان إلى قدامى الشعراء الأوكرانيين الذين يسافرون عبر الريف لغناء القصائد الملحمية، والعزف على آلة الكبزار الوترية، وقد حقق هذا الكتاب مكانة متميزة في التراث الروحي للشعب الأوكراني.
وتتضمن مجموعة كبزار ثماني قصائد أو قصص شعرية، من بينها "الإهداء" و"كاترينا" و"شجر الَحْور" و"إلى أوسنوفيانينكا" و"ليلة تاراس" و"الوصية". وتندرج بعض القصائد ضمن الاتجاه الرومانسي، لكن شيفتشنكو يميل في كتاباته أكثر إلى الواقعية، وقد ناضل فعليا وأدبيا ضد الاستبداد والعبودية من منطلق تجربته كأحد الأقنان في بدايات عمره، وكان من دعاة الحرية.
خاض شيفتشنكو العمل السياسي السري ضد سياسة القياصرة الروس وسلطتهم الاستبدادية، فاعتقل أكثر من مرة ونفي مجنّدا إلى منطقة أورينبورغ، وتم منعه من الكتابة والرسم. وتحفل أشعاره بالمشاعر الوطنية التي لا شك أنها كانت ملهمة للقوميين الأوكرانيين ودعاة الحرية والاستقلال. ويقول في قصيدته "الوصية":
عندما يدركني الموت
ادفنوني وسط سهب فسيح
من سهوب أوكرانيا الحبيبة
…
أدفنوني ثم هبّوا
وحطموا القيود
وبدماء الأعداء البغيضة
ارووا الحرية
توفي شيفتشنكو في سان بطرسبورغ عام 1861، حيث شيّعه جمهور من الأدباء والمفكرين الأوكرانيين والبولنديين والروس، ونقل رفاته إلى مدينة كانيف في أوكرانيا، وبعد مائتي عام على ميلاده وأكثر من 150 عاما على وفاته يحضر من جديد رمزا للقومية الأوكرانية في لحظة معبأة بأسئلة المصير.