رحيل جوزف حرب شاعر "المحبرة"

الشاعر جوزف حرب
undefined

علي سعد-بيروت

ربما لم يكن يدرك والد الشاعر اللبناني الكبير جوزف حرب حين كان يمزق الأوراق التي يكتب عليها ابنه المراهق، أن حروف هذه الأوراق ستتحول يوماً ما إلى كلمات لا تقدر بثمن يدونها شاعر عظيم سيحفر اسمه على لائحة الشرف لأبرز شعراء ومثقفي لبنان والعالم العربي.

وغيب الموت أمس الاثنين الشاعر جوزف حرب في نفس المكان الذي ولد فيه ببلدة المعمرية جنوب لبنان.

غير أن حياته التي دامت حوالي سبعين عاماً، لن تنتهي بوفاته، فإرث الشاعر الراحل يرقى إلى مستوى الخلود الفكري الذي سيجعل اسمه محطة لا بد من المرور عليها لكل من أراد تذوق الشعر الحديث من بيت أصيل.

غزارة وبلاغة
عُرف حرب بغزارة إنتاجه الذي لم تتسع له يوماً أوراق مرقمة داخل كتاب لا يمكن أن يختصر سيرة حياة الراحل، كما لا يمكن أن يختصر مماته.

وسيبقى ديوانه الأشهر "المحبرة"، الذي صدر عام 2006 (أكبر ديوان في التراث العربي من 1750 صفحة)، شاهداً على هذه الغزارة الممزوجة ببلاغة في التعبير وعمق في الإحساس تخطيا حدود الماضي والحاضر، وأسسا لمدرسة شعرية قلَّ نظيرها في العصر الحديث.

عارفو حرب وقع عليهم خبر وفاته كالصاعقة فهؤلاء الذين غرفوا من معين شعره وأدبه يدركون أكثر من غيرهم حجم الخسارة التي ألمت بلبنان وبالشعر والثقافة.

رئيس الحركة الثقافية بلال شرارة(الجزيرة)
رئيس الحركة الثقافية بلال شرارة(الجزيرة)

يقول الشاعر بلال شرارة -رئيس الحركة الثقافية- إنه برحيل حرب خسر الشارع الثقافي في لبنان ركناً من أركانه وشاعراً كبيراً لم يتقوقع داخل نصه، بل تعداه ليحمل هموم المثقفين ويكون صديقاً لهم.

ويصف شرارة في حديث للجزيرة نت، حرب بأنه عازف منفرد للشعر، ألَّف دواوين في حقول شعرية مختلفة فأبدع فيها جميعاً، ورفع اسم لبنان عالياً في مهرجانات ومنتديات عربية كبيرة.

ويضيف أن حرب -الذي عانى من مرض السرطان- "صمت في السنوات الثلاث الأخيرة من حياته على أمر كان يؤرقه، وآثر أن يتألم بصمت ويحمل همومنا ويمنعنا من أن نحمل همّه".

من جهته، يصف رئيس اتحاد الكتاب اللبنانيين السابق، غسان مطر، رحيل جوزف حرب بأنه خسارة لأحد أجمل وأغنى وجوه الشعر الحديث.

ويدعو مطر عبر الجزيرة نت، إلى العودة إلى دواوينه الغنية بالرؤى والعناوين الجميلة لنقف على حجم الخسارة، لافتاً إلى أن الراحل الكبير لم يترك شأناً من شؤون الحياة والإبداع إلا وكان رائداً فيه ومؤثراً.

ويشدد مطر على أن الأغنية كانت واحدة من الإضافات الكثيرة التي قدمها جوزف حرب على مدى حياته الغنية.

الفنانة فيروز غنت قصائد لحرب (الجزيرة)
الفنانة فيروز غنت قصائد لحرب (الجزيرة)

أغاني فيروز
وارتبط اسم الشاعر الراحل بالسيدة فيروز التي غنت الكثير من قصائده وأبرزها: "لبيروت"، "حبيتك تنسيت النوم"، "لما عالباب"، "ورقو الأصفر"، "أسامينا"، "إسوارة العروس"، "زعلي طول"، "بليل وشتي"، "خليك بالبيت"، "رح نبقى سوا"، "فيكن تنسو"، "البواب"، "يا قونة شعبية".

كما لحَّن وغنَّى له الفنان مارسيل خليفة: "غني قليلاً يا عصافير" و"انهض وناضل". ولحَّن له رياض السنباطي: "بيني وبينك" و"أصابعي". وإلى الآن لم تصدر الأغنيتان بصوت فيروز.

في نهاية التسعينيات شغل حرب منصب رئيس اتحاد الكتاب اللبنانيين لأربع سنوات. لكن الظروف التي يعيشها لبنان منذ الحرب الأهلية لم تسمح لأحد أن يقدم الكثير في هذا المجال، كما يؤكد مطر.

لكنه يشير إلى أن الخسارة لن نشعر بوطأتها الآن، لأنه بعد فترة سيبدأ المشهد الشعري والثقافي يتطلع إلى أهمية جوزف وإلى النقص الكبير الذي سيصاب به الشعر بعد رحيله.

وكان حرب قد نال العديد من الجوائز التكريمية في حياته منها: جائزة الإبداع الأدبي من مؤسسة الفكر العربي، والجائزة الأولى للأدب اللبناني من "مجلس العمل اللبناني" في دولة الإمارات العربية.

ويرى شرارة -الذي كرم باسم الحركة الثقافية حرب قبل ثلاثة أشهر في محبسه الشعري في المعمرية- أن حال الشاعر الراحل كحال معظم مثقفي هذا العصر لا ينال التكريم إلا بعد مماته، معتبراً أن أقل ما كان يمكن أن يُكرَّم به حرب هو تكليفه بتولي وزارة الثقافة لأنه أدرى الناس بما يريده الشارع الثقافي، وأحسنهم تقييماً للإنتاج الأدبي.

المصدر : الجزيرة