إيدث وارتون.. وكشف خبايا النخبة الحاكمة

عن رواية "بيت الفرح" للأمريكية إيدِث وارتون..

هيثم حسين

ترصد الأميركية إيدث وارتون (1862-1937) في روايتها "بيت الفرح" شبكة العلاقات الناظمة لطبقة النخبة المتحكمة بالاقتصاد والسياسة في الولايات المتحدة بمستهل القرن العشرين، وماهية تلك العلاقات التي تحكمها المصالح وتبادل الخدمات والمنافع، وتوزيع مجالات الاستثمار بنوع من المحاصّة غير المعلنة، بحيث يكون التداخل الظاهري وسيلة لتقوية المصالح، وذلك مع عدم التغاضي عن جانب المنافسة، وما تساهم به من صراعات خفية تتعاظم تباعا.

تبرز وارتون في روايتها -نشرتها وزارة الثقافة في دمشق 2014 وترجمها محمد منير الأصبحي- ممارسات الطبقة الثرية وتعاملاتها وخباياها في ما بينها، وما تتسبب به من تعطيل لقوى المجتمع التي تبقيها تحت السيطرة، مع إيهامها بأنها تمتلك حرية التصرف والعمل، في حين أنها مقيدة بالكثير من القيود التي يفرضها أصحاب النفوذ، وتمريرها باسم القوانين.

كما تبرز كيفية تشكيل رأي عام داعم لهذا التوجه أو ذاك من خلال الهيمنة على وسائل الإعلام بالتوازي مع الشركات الكبرى في مختلف المجالات.

قضايا المرأة
أخذت وارتون عنوان روايتها من جملة في الإصحاح السابع من سفر الجامعة من الكتاب المقدس تقول "قلب الحكماء في بيت النوح، وقلب الجهال في بيت الفرح".

وتشتغل في عملها على سبل تجسيد هذه المقولة، وكيف أن الإنسان الحكيم يضطر للاغتراب عن واقعه، ويتم عزله عن محيطه بطرق لئيمة من قبل أولئك الذين يتحللون من القيم والأخلاقيات ويضعون المصالح في صدارة الأولويات.

وتظهر الكاتبة سبل استغلال المرأة من قبل أناس يزعمون الحرص عليها، ويمثلون السعي لوضع التشريعات التي تحميها، في الوقت الذي يمعنون في استغلالها وابتزازها في مكاتبهم وخلف الأبواب المغلقة.

ويحضر تجيير قضايا المرأة والإساءة إليها عبر شخصية بطلة الرواية "ليلي بارت"، وهي فتاة شابة تفقد أباها الثري وهي في الـ19 من عمرها، وتتعرض لضغوطات مادية كبيرة، تدفعها ظروفها للجوء إلى بعض الممارسات غير المقبولة بالنسبة لها، وذلك كي تراعي عالم المظاهر الذي تعيش فيه، مما يوقعها في فخ الاستغلال والابتزاز أكثر.

وقوع المرء ضحية القدر وقوى قاهرة لا يستطيع الصمود في وجهها، ولا تغيير مسار حياته بمعزل عنها، أو الهرب منها يحضر بشكل جلي في الرواية عبر شخصية بطلتها "ليلي" وعدد من النساء المحيطات بها، مثل "هاتش، ودورست، ورجينا، وجولي.." في مواجهة شخصيات ذكورية مثل "سلدن، وروزديل، وجاك.."، وهو مسعى تسعى الكاتبة إلى تبيان جوانب المقاومة والمواجهة فيه، وملامح الربح والخسارة.

سباق المصالح
تغوص الكاتبة في دائرة المال، تلك التي تكون لعبة خطرة ولعنة في الوقت نفسه، تتلاعب قلة بمصائر أناس كثيرين، وتلك الألاعيب تستهدف الربح فقط، مما يجعلها لعنة تحل على الجميع لأنها تفتقر إلى وسائل الحماية المفترضة، ولا تهتم لأي محافظة على المستوى المنشود من الأمان والراحة والثقة.

كما تحكي عن سباق المصالح والنفوذ والنفاق في طبقة تتسم بالتناقض السافر في الممارسات، وفي الأحكام المطلقة والمسبقة، وتنساق وراء البهرج دون التركيز على الجوهر. 

تعتبر رواية "بيت الفرح" من العلامات الفارقة في الأدب الأميركي، وتحظى بالاهتمام المتجدد، لما لها من مقدرة على استشراف المتغيرات التي تظل مرتبطة بماض لا يفتأ يسعى لتجديد أدواته بدوره، وكيف أن الوجوه تتغير والمظاهر تتبدل، في حين أن جوهر العلاقة السائدة المتحكمة يظل ثابتا، أي المناورة والالتفاف والتواري في لعبة الثبات والتحول. 

يذكر أن وارتون كانت قد نشرت روايتها سنة 1905، وقد أتاح لها انتماؤها إلى أسرة شديدة الثراء في نيويورك الكتابة عن مجتمع الطبقة الأرستقراطية هناك من الداخل.

ولعل ما يكسب روايتها الاستمرارية والديمومة مقاربتها قضايا تظل مصيرية وشاغلة الناس في الشرق والغرب، منها كشف المخبوء في عوالم نخبة يتوارث أفرادها السيطرة والهيمنة على مقدرات البلاد، والتأكيد على ضرورة احترام الإنسان لذاته وأخلاقه بعيدا عن الانتهازية والاستغلال.

المصدر : الجزيرة