"الرابوز".. مسرحية لإنقاذ فن الحلقة المغربي من الضياع

مشهد 4 من مسرحية الرابوز
مشهد من مسرحية "الرابوز" التي تحاول إحياء فن الحلقة في المغرب (الجزيرة)

إبراهيم الحجري-الدار البيضاء

نجحت فرقة "فيزاج" المسرحية في إقحام فن الحلقة باعتباره مادة درامية بصيغة جديدة في زمن أصبح فيه هذا التراث العريق مهددا بالانقراض والتلاشي، بعد أن كان الطيب الصديقي قد اشتغل على هذا الفن من خلال التناص مع قضاياه وفرجاته الشعبية، في وقت كان فيه فن الحلقة يعرف انتشارا كبيرا في كل المدن والقرى المغربية.

وإذا كانت المادة الدرامية التي قدمها الصديقي حينها بمثابة تعزيز الرصيد الرمزي للمسرح الحداثي، ومحاولة لشد الجمهور الذي كان مفتونا بالحلقة آنذاك، واستئناسا بهذا المناخ الفلكلوري، فإن العمل الذي قامت به فرقة "فيزاج" من خلال عملها المسرحي "الرابوز" الذي يجول في المدن المغربية الآن، له أكثر من دلالة.

يُعتبر فن الحلقة رأسمالا رمزيا ويشكل جزءا من الهوية الثقافية المغربية، وهو يعاني الكثير ويئن تحت وطأة الغياب التدريجي. وهذه المسرحية، بقدر ما تسعى للدفاع عن هذا الفن وتحيينه، فإنها أيضا تسعى لطرح قضية ثقافية تتمثل في الإهمال الكبير الذي يتعرض له الموروث الرمزي بتركه عرضة للضياع بدل استثماره في خدمة التنمية الشاملة.

‪مشهد من تقديم لعرض الرابوز في الساحات العامة‬ (الجزيرة)
‪مشهد من تقديم لعرض الرابوز في الساحات العامة‬ (الجزيرة)

قضية مسرحية
تسلط مسرحية "الرابوز" -الحائزة على الجائزة الكبرى لمهرجان جائزة أغادير للمسرح الاحترافي في دورته السادسة عشرة وجائزة أحسن تمثيل ضمن المهرجان الوطني للمسرح بمكناس- الضوء على فن الحلقة الكوميدي الذي اشتهرت به ساحة جامع الفناء بمراكش، مثلما اشتهرت به الساحات الشهيرة في كل مدن المملكة، معيدة الاعتبار إلى هذا الفلكلور الشعبي العريق الذي لا تعرف بالتدقيق بداياته الأولى، ليشكل ملمحا هوياتيا للثقافة الشعبية المغربية.

ومعروف أن فن الحلقة يتقاطع في كثير من جوانبه مع المسرح الشعبي الذي يتخذ من المواد الفُرجوية ذات الطابع الفلكلوري رافدا أساسيا لتشكيل معطياته الدرامية.

وقد باتت أغلب الفرجات التي كان يقدمها فن الحلقة شفوية، مما سهل ضياع المواد التي تقترحها بوفاة الفنانين الشعبيين ورواد الحلقة، وتفريط المؤسسات الوصية على الثقافة والتراث في أمر صيانتها وحفظها من التلف والنسيان.

ولم توثق المتون جراء التهميش الذي طالها تحت ذريعة كونها ثقافة شعبية لا يعتد بها، ولم يلتفت إلى ثرائها إلا بعد أن غيب الموت أغلب مبدعيها، وأتت الهشاشة على البقية ممن لا يزال يعيش ظروفا مزرية، رغم النداءات التي تطلقها بعض جمعيات المجتمع المدني.

وابتكر مجموعة من الشباب آلية متميزة لاستعادة بعض ما تحفظه الذاكرة الجمعية من متون الحلقة، وهي نقل هذا المكتسب التراثي إلى عروض مسرحية تكيف مع طبيعة العمل الدرامي، سواء من حيث الحوار أو الإضاءة أو مكونات الركح، مع إبقاء الصبغة التراثية للعرض والديكور والإمكانيات المزدوجة للعرض فوق الخشبة أو في الساحات العمومية والفضاءات المكشوفة.  

بوشعيب السماك: هدفنا المساهمة في صيانة فن الحلقة من الاندثار (الجزيرة)
بوشعيب السماك: هدفنا المساهمة في صيانة فن الحلقة من الاندثار (الجزيرة)

روح جامع الفنا
يستعير عرض الرابوز المسرحي -الذي ألفه وأخرجه الفنان أمين غوادة بمساعدة المخرج أسامة باباعزي، وصمم أزياءه وديكوره نعيمة العروسي، وجسد أدواره كل من الممثلين محمد بوجان، وسعيد الهراسي، وبوشعيب السماك، وعصام الدين محريم، وسعيد بكار- طقوس فضاء ساحة جامع الفنا بمراكش، حيث كان مجموعة من الحلايقية يقدمون موادهم الفرجوية إلى الجمهور، وإذا بهم يفاجؤون بعجوز مجهول يقتحم حلقاتهم ليشاركهم لعب الأدوار الفرجوية.

ومع تقدم الأحداث الدرامية، يكتشفون أنه فاقد للذاكرة، فيشفقون عليه ويسايرون حكايته، متفاعلين مع المتغيرات التي أقحمها في العرض.

وبالتدريج، يستعيد العجوز الغريب آخر ما عاشه من وقائع قبل وصوله إلى مراكش، فينخرطون معه في ارتجال المواقف التي تشكل حافزا لذاكرته على استرجاع الأحداث الماضية، وصولا إلى الأسرار الكامنة التي يخبئها.

من جانبه، أكد الممثل بوشعيب السماك أن "الغاية من هذا العرض هي المساهمة في الجهود المبذولة للمحافظة على فن الحلقة باعتباره تراثا غير مادي، من خلال التعمق في كنهه وجوهره واستلهام مقوماته للسير بها نحو خلق عرض مسرحي مبتكر وفريد من نوعه يخلد لهذا الفن وينمي الإحساس بضرورة صونه من الاندثار.

ويشير الممثل نفسه إلى أن المادة المستوحاة من فن الحلقة تتجه نحو إحياء جوها التقليدي وإعادة تطوير تقنياتها بطريقة أكثر عمقا، مع اتباع نهج حداثي يضمن خلق علاقة متميزة ومباشرة بين الممثل والمتلقي، وبالتالي ضمان فرجة ومتعة فنية حقيقية تقرب الجمهور أكثر من روح إحدى أهم الأشكال الفرجوية بالمغرب، كما أن الممثلين أحيوا بأدائهم على الركح شخصيات حكواتية "حلايقية" منقوشة في ذاكرة المغاربة من بينهم الصاروخ، فليفلة، المعلم جالوق، بقشيش…".

وينتهي السماك إلى كون "مسرحية الرابوز التي يدعمها المسرح الوطني محمد الخامس بالرباط قُدمت أكثر من عشرين مرة في مدن وقرى مختلفة من ربوع المغرب، وقد لاقت جميعها إعجابا وتجاوبا كبيرين من لدن الجمهور والمتتبعين".

المصدر : الجزيرة