المواقع التراثية الأفريقية.. ذاكرة خصبة مهددة بالضياع

المواقع التراثية في افريقيا: مخاطر وآمال
طالبت الندوة بربط هذا التراث الضخم من المعالم التاريخية بمحيطها الاجتماعي والاقتصادي (الجزيرة)

نزار الفراوي-الرباط

تزخر القارة الأفريقية بشواهد ومعالم تراثية كثيرة وبالغة القيمة الثقافية والتاريخية، إلا أن وضعية الكنوز التراثية بالقارة تثير تساؤلات بشأن دور الحكومات والمنظمات الأهلية والمجتمع الدولي عموما في الحفاظ عليها وتثمين ذاكرة خصبة لم تبح بكل أسرارها.

ولعل قائمة المواقع التراثية المصنفة لدى منظمة التربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) تكرس هذا القصور في العناية بترسانة من المعالم التي يفترض أن تكون مبعث فخر قومي وكوني وقاطرة سياحة ثقافية وتنمية مستدامة لبلدان القارة.

وتشير الأرقام إلى أن من بين 981 معلما مسجلا في قائمة التراث العالمي، لا تمثل القارة السمراء إلا بـ128 معلما، تتوزع على 40 بلدا، ولا تشكل هذه النسبة سوى 13%. كما أن 43% من المعالم الأفريقية تعد ضمن التراث المهدد بالخطر.

وتشكل الندوة الإقليمية "تجارب التراث العالمي في أفريقيا" التي احتضنتها مدينة مراكش المغربية على مدى ثلاثة أيام (28 و29 و30 أكتوبر/تشرين الأول الحالي) مؤشرا على وعي قاري وأممي بضرورة الانكباب على حماية المواقع التاريخية في أفريقيا، التي تنطلق من تسجيلها في قائمة اليونيسكو بما يتيحه من امتيازات وتدابير وقائية وتدخلات للترميم والتثمين، معززة بتمويلات دولية مهمة.

اللقاء الذي نظمته وزارة الثقافة المغربية استعرض الإشكاليات والرهانات الآنية والمستقبلية ومكن من تبادل التجارب والخبرات من أجل المحافظة على مواقع التراث العالمي بالقارة

إشكاليات ورهانات
وقد مكّن اللقاء الذي نظمته وزارة الثقافة المغربية بتعاون مع صندوق التراث العالمي الأفريقي الكائن مقره بجنوب أفريقيا، وبشراكة مع مركز التراث العالمي باليونيسكو، من استعراض الإشكاليات والرهانات الآنية والمستقبلية وتبادل التجارب والخبرات من أجل المحافظة على مواقع التراث العالمي بالقارة.

وجاء ذلك هذا اللقاء بمشاركة نخبة من الباحثين والمتخصصين ينتمون إلى دول من أفريقيا جنوب الصحراء، فضلا عن دول الشمال العربية، المعنية إلى حد بعيد بهذا الموضوع منها المغرب والجزائر وتونس ومصر وموريتانيا.

وكشفت مداخلات الندوة عن مستويين لمقاربة إشكالية التراث في القارة، إذ يكمن المستوى الأول في توفير آليات الحماية المادية من خلال تعزيز التدخلات الوطنية والدولية لحفظ المنشآت وترميمها وحماية الكنوز التاريخية من النهب والسرقة وسوء الاستغلال، وبلورة شراكات مع المجتمع المدني والمنظمات الدولية والمانحين لتفعيل برامج حماية فعالة.

أما المستوى الثاني فيتطلع إلى ربط هذا التراث الضخم من المعالم التاريخية بمحيطها الاجتماعي والاقتصادي وإدماجها في التنمية على الأصعدة المحلية والوطنية، ولا سيما في ظل انتعاش السياحة الثقافية عبر العالم.

وقد سمحت هذه الندوة التي أسفرت عن اعتماد "إعلان مراكش" بتشخيص عدة اختلالات، منها تخلف القوانين التنظيمية والتشريعية والمؤسساتية لتدبير المواقع التراثية.

وعبّر مدير صندوق التراث العالمي الأفريقي، ويبير ندورو، عما أسماه الانشغال المزدوج، معتبرا أنه من الضروري تثمين المعالم التاريخية وإدماجها في اقتصاد الثقافة.

ولم يخف ندورو في المقابل خشيته من الانحرافات التي قد تشوب استغلال هذه المعالم مع تغليب البعد الاقتصادي المادي على الهاجس الثقافي الحضاري.

مدير صندوق التراث العالمي الأفريقي ويبير ندورو:
من الضروري تثمين المعالم التاريخية وإدماجها في اقتصاد الثقافة

ناقوس الخطر
وفي هذا اللقاء دق ناقوس الخطر بشأن مصير العديد من المواقع المسجلة على قائمة التراث المشترك للإنسانية، في مناطق النزاع، حيث الأطراف المتحاربة لا تتوانى في كثير من الأحيان عن نهج سياسة الأرض المحروقة التي تأتي على كنوز تختزن تجارب وبصمات حضارية لا تعوض.

فضلا عن ذلك فإن هناك خطرا مماثلا تشكله عصابات التهريب المنخرطة في شبكات دولية لتصريف الآثار والقطع الثمينة. ففي ظل انهيار الأنظمة السياسية والأمنية وتآكل الوظيفة المانعة للحدود في عدد من مناطق ما يسمى "الدول الفاشلة"، تنتعش حركة هذه الشبكات التي تروج لتجارة تدر مليارات الدولارات في سوق سوداء تتحدى قدرات الدول منفردة، وتتطلب تنسيقا دوليا وإقليميا عابرا للحدود لكبح هذا النشاط غير المشروع.

ويبدي عدد من المختصين في التراث قدرا قليلا من التفاؤل بالمستقبل، حيث يربطون نجاعة أي مقاربة في هذا الشأن بالتطور البنيوي المسجل على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، إذ لا يمكن الحفاظ على موقع تاريخي في مجال جغرافي منهار اقتصاديا، ومختل أمنيا ومتحلل اجتماعيا.

المصدر : الجزيرة