"مملكة الزيوان".. رواية من عمق الجنوب الجزائري

مملكة الزيوان" للجزائري الصدّيق حاج أحمد
undefined
هيثم حسين
 
في "مملكة الزيوان" يرصد الجزائري الصديق حاج أحمد المتغيرات الاجتماعية التي مرت بها الجزائر عامة ومنطقة أدرار في الصحراء الجنوبية ومحيطها خاصة، ويصور حياة الناس حينما تجتاحهم متغيرات عديدة ويلفهم الانشغال بالمستقبل والخصوصية فيُدفن التاريخ ويبقى رهنا للذكريات.
 
تحتل ضواحي مدينة أدرار صدارة الأحداث في الرواية، حيث إن القصور المترامية في دوحات متجاورة تعكس طبيعة البشر هناك، وتقدم تصورا للحياة التي يعيشونها والقسوة التي يعانونها جرّاء الظروف الطبيعيّة من جهة، والبعد عن مركز المدينة من جهة أخرى، مما يفاقم كثيرا من المشاكل التي يصعب حلها بالتقادم والتراكم، ويؤثر على العلاقات الاجتماعيّة التي يشير جزء من العنوان إلى جانب منها إذ يعني الزيوان باللهجة التواتية المحليّة "عرجون الثمر اليابس".

ينوب البطل الرئيسي لَمرابط الزيواني عن الروائي للتحدث عن أوضاع أهالي منطقة القصور ومعاناتهم، واعتراكهم الدائم فيما بينهم، وخلافاتهم التي لا تهدأ. يتقدّم مفصحا عن تاريخه منذ يوم مولده الذي يلي الاستقلال.

وهو بذلك يرمز إلى الجيل الجديد الذي يفترض به أن ينشأ على قيم الوطنية والتسامح. وينتقل إلى العقود التالية في فصوله الأربعة عشر، ويصور التغيرات المفصلية المواكبة في كل مرحلة.

يظل الزيواني مقيدا بظلال أصدقائه وعلاقاته التي تتراوح بين التماهي والافتراق، وتتبع المتغيّرات الاجتماعية والقرارات السياسية

صرخة الحياة
يستحضر الروائي النهايات في بداية روايته، يقدمها في الاستهلال الذي يلي ما يسميه بالتفريش، وهو تقديم بعض الأفكار المتعلقة بأهل المنطقة وسبل معيشتهم وتعاملهم فيما بينهم، وطرق تواصلهم مع الآخرين، وغير ذلك من الخصوصيات التي يتفردون بها، والتي تصل إلى درجة التضيق عليهم وتصبح قيدا يكبت الأنفاس والرغبات معا.

يستذكر الزيواني يوم مولده، يحلل نفسية المحيطين به إثر انسلاله إلى الحياة بصرخة الوليد التي أطلقها، ويصف كيف اهتم به الجميع باعتباره الذكر الأول في الأسرة، ذلك أن أمه أجهضت مرتين سابقا وأنجبت قبله فتاة اسمها "مريمو". وفي عرف أسرة الزيواني يتم حرمان الإناث من المواريث، ويتم وقف الأملاك والأراضي للأبناء الذكور فقط.

يتوقّف الزيواني عند مراحل تطوّره، منذ ولادته وحتى تخرجه في الجامعة وزواجه وإنجابه ابنه البكر، مرورا بالحبو ثم المشي ثمّ التدرج في فصول الدراسة، والتنقل بين القرية والمدينة ثمّ العاصمة، والتعلق بابنة العم "أميزار" التي تقيم مع أبيها الغريواني الزيواني وأمها التونسية في تونس، وتتحلى بالجمال المشرق وحسن السلوك.

يختار حاج أحمد لبطله التخصص في التاريخ، انطلاقا من الاعتقاد بأن التاريخ يحمل الكثير من العبر والدروس التي ينبغي استخلاصها والإفادة منها، ويجد بطله الزيواني في نقل العبر إلى الأجيال التالية من خلال تدريسه التاريخ، ولا يجد التاريخ مادة مملة، بل يراها مشبعة بالحياة والتجدد، ويكون وسيلة للمصالحة بين الزيواني وبيئته وماضيه وحاضره، ويشكل نقطة قوة وعلامة فارقة للمستقبل.

يظل الزيواني مقيدا بظلال أصدقائه وعلاقاته التي تتراوح بين التماهي والافتراق، وتتبع المتغيّرات الاجتماعية والقرارات السياسية، فبعد الثورة الزراعية يخاصم بعض الأصدقاء، ثم في مرحلة متقدّمة من الوعي وقبل التخرج في الجامعة يتراجع عن ذاك الاستعداء، يكتسب كثيرا من المعارف التي تجعله يرى الأمور بشكلّ مجرّد بعيدا عن التحيز والأحكام المسبقة والتبعية للآخرين.

يحاول حاج أحمد في روايته اكتشاف البنيات التي شكلت ذهنية أبناء المناطق الصحراويّة، ويسعى إلى الوقوف على مكامن الخطأ والإشارة إليها

اكتشاف الصحراء
يجول الروائي بشخصيّاته في مناطق صحراوية، يكتشف البيوت والرمال، يتحرّك بها في عالم غرائبي، يرسم عبر تحركاتهم الخرائط الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي كانت مفعلة وواقعية طيلة عقود، وكيف أن القوافل كانت تختار طرقها المعهودة، وتدر الأرباح على أبناء تلك المناطق، دون أن يخلو ذلك من مشقّات جِسام.

الحركة الدائبة للبشر في تلك المناطق النائية ترسم بدورها خط سير الشخصيات، وتقتفي أثرها في واقع يتسم بالتبدل والتغير، ويبلغ التغير أوجه مع إطلاق الحكومة الثورة الزراعية التي خلخلت التركيبة الاجتماعية وجردت بموجبها بعض الناس من أراضيهم، وحاولت إعادة توزيع الأراضي بحيث يكون للفلاحين والمشتغلين فيها نصيب منها، مما تسبّب في شروخ اجتماعيّة عميقة بين الناس.

التغيير يجتاح كلّ شيء في القصر، ويتخلل كل الطقوس، يتنامى لدى الزيواني حنين إلى أيام البراءة، وذلك حين يجد نفسه في دوامة آلية تكاد تودي به وبحياته الاجتماعية، تزرع الشقاق والغربة في النفوس وتبعد الناس عن بعضهم بعضا بحجة الخصوصية والانشغال بالمستقبل، وتدفن التاريخ والماضي أو تقيده بالنسيان وتبقيه مرهونا للذكريات فقط.

يستعين الكاتب بعشرات الحواشي التي تعج بها الرواية، وتثقل على القارئ، الذي ينتقل بين الهامش والمتن مستطلعا معاني المفردات الغريبة المدرجة في الحكاية والمستلة من اللهجات المحلية واللغة الأمازيغيّة والطوارقية أحيانا.

يحاول حاج أحمد في روايته اكتشاف البنيات التي شكلت ذهنية أبناء المناطق الصحراويّة، يسعى إلى الوقوف على مكامن الخطأ والإشارة إليها، وبخاصة في الحياة الاجتماعية التي يتم فيها إقصاء شرائح من المجتمع، بمن فيها نساء الأسر التي تقدم نفسها على أنها نخبة المملكة المفترضة، وحرمانهن من الإرث الذي ينعكس على واقعهن بحيث يتمّ نبذهن بطريقة ما ويحرمن الزواج، لأنهن محرومات من المساواة مع الآخر.

كما يشير إلى حالات الاستعانة بالشعوذة للاستحواذ على شيء أو تحقيق غاية ما، بحيث يكون ذلك ارتهانا للجهل وابتعادا عن قيم التقدم والحضارة التي يفترض السعي إليها والتشبّث بها.

يُذكر أن الدكتور الصديق حاج أحمد الزيواني من مواليد 19/12/1967 بزاوية الشيخ المغيلي ولاية أدرار الجزائرية، وهو روائيّ وأكاديميّ، وأستاذ لسانيات النص بجامعة أدرار، من أعماله المنشورة "التاريخ الثقافيّ لإقليم توات" و"محمد بن بادي.. حياته وأعماله" و"الدرس اللغويّ بتوات".

المصدر : الجزيرة