فنانو سوريا ينشدون "الهدوء النسبي" بلبنان

من أعمال التشكيلي السوري خضر عبد الكريم
undefined
 
يصور التشكيلي السوري عماد حباب برتوش الألوان على لوحة زيتية من القماش، لحظة وقوع انفجار خلال الثورة السورية. ذلك الانفجار المتخيّل على اللوحة، كان وقعه على الأرض حركة نزوح هائلة من عامة الناس والفنانين صوب لبنان وبلدان أخرى.

وبسبب المعارك والتفجيرات والسيارات الملغومة وحظر التجول منذ اندلع القتال قبل نحو عامين ونصف العام، أصيبت الساحة الفنية السورية -التي كانت يوما ما نابضة بالحياة- بالشلل، ورحل مئات الفنانين السوريين الشباب، مثل حباب، والمخضرمين منهم إلى بلدان قريبة وخاصة لبنان حيث الأمن النسبي والجمهور.

ولا يقتصر الأمر على الفنانين التشكيليين، فقد أصبحت بيروت قبلة لنجوم الدراما السورية، وفيها صورت معظم الأعمال الدرامية خلال العام الماضي، ومن بينها "الولادة من الخاصرة 3-منبر الموتى" و"صبايا 5″ و"سنعود بعد قليل" و"حدود شقيقة" وغيرها.

وبسبب حالة الاستقطاب السياسي الحادة في لبنان حول المسألة السورية، تعرّض بعض الفنانين السوريين بسبب مواقفهم من الثورة والنظام لمضايقات من مناوئيهم في الرأي، من بينهم الفنان دريد لحام والفنان مكسيم خليل والفنانة مي سكاف، بينما كان الفنانون غير المشهورين -ومنهم التشكيليون الشباب- أكثر حظا في الاستقرار والهدوء.

عماد حباب (24 عاما)، وهو من هذه الشريحة، قول إنه رسم لوحته بعد خروجه من دمشق الصيف الماضي، وذلك "الانفجار يصور لحظة يمكنها أن تمحو كل الأحلام، كل الفرص وكل الأفكار".

من جهته يقول مارك هاشم -الذي يقيم معارض للفن المعاصر في بيروت وباريس ونيويورك- إن الحرب الأهلية -كما سمّاها- أدت إلى زيادة الاهتمام بالفن السوري، إذ يترك المزيد من الفنانين البلاد ويعرضون أعمالهم في الخارج.

ويمثل لبنان، الذي اعتبر مركزا ثقافيا إقليميا لفترة طويلة، ملجأ مثاليا لأهل الفن السوريين. وأنشأت رغد مارديني، وهي مهندسة مدنية من دمشق، دار الإقامة الفنية في بلدة عالية اللبنانية العام الماضي وذلك باستخدام أموالها الخاصة لدعم الفنانين التشكيليين الشباب مثل حباب.

منبر آخر

لا يتوهم الفنان عمر إبراهيم أن الفن يمكنه أن يوقف الصراع أو يداوي الجراح، لكنه يقول إنه يمكن أن يؤثر على وعي الناس بعمق شديد

وتستضيف الدار اثنين من الفنانين السوريين شهريا في إسطبل خيول مرمم على الطراز العثماني يعود للقرن التاسع عشر في جبال جنوب شرقي بيروت. وقالت مارديني "هذا الشهر هو وقت للفنانين للاسترخاء ونسيان كل التوتر والإجهاد الذي عاشوه في سوريا والشعور بالأمان، ولديهم حرية التعبير والتضامن مع فنانين آخرين".

وفضلا عن توفير أماكن الإقامة والتجهيزات الفنية، تربط دار الإقامة الفنانين السوريين الناشئين بصالات العرض وهواة اقتناء اللوحات وفرص الاحتراف. وقالت مارديني"هذه وسيلة لإظهار أن هناك جانبا آخر للسوريين، وأن هناك جيلا ترعرع في هذا الوضع الصعب لكنهم موهوبون ومبدعون للغاية".

وقال هاشم إن "تدفق الفنانين السوريين يثري المشهد الفني في لبنان، ويبدع شيئا جديدا، ويضيف حركة جديدة، فالعديد من الفنانين اللبنانيين يتأثرون بالواقع السوري والعكس صحيح".

وقال خالد سماوي إن عقودا من العزلة النسبية عن الغرب جعلت الفن السوري مميزا. وأسس سماوي غاليري "أيام" في دمشق عام 2006، لكنه أغلق بسبب الحرب، غير أن فرعا له في بيروت استضاف ورشة عمل ومعرضا هذا العام لثلاثة فنانين سوريين وفنان فلسطيني من سوريا.

ويعبر عمر إبراهيم، الذي انتقل إلى لبنان قبل عام، عن صدمة سوريا من خلال فنه في شكل خيول ملطخة بالدماء وضباع تأتي من مسقط رأسه بمحافظة السويداء في جنوب سوريا، ويقول إن الحيوانات ترمز إلى الشعب والحكومة على التوالي.

وقال إبراهيم (35 عاما) "لا يمكن أن أكون مباشرا فقط في أفكاري، ومجرد أن أجلس وأقول إنني سأرسم الناس الذين لقوا حتفهم وإطلاق نار وانفجارات لا تبدو حقيقية بالنسبة لي".

وإبراهيم الذي درس النحت في جامعة دمشق لا يتوهم أن الفن يمكنه أن يوقف الصراع أو يداوي الجراح، لكنه يقول إنه يمكن أن "يؤثر على وعي الناس بعمق شديد.. وعندما تنتهي الحرب وتهدأ الأمور سيجعلهم يعودون مرة أخرى إلى أنفسهم لمحاولة فهم ما كان يحدث".

المصدر : رويترز