خضر عبد الكريم فنان ألهمه سجن صيدنايا




– الحلم والأمل والألم، اللعب في ليالي السمر وأغاني الفلاّحات في القرية، مساحات من الأصفر المحترق في صيف يجدّد العشق الملتهب، ثم سجن طويل.. كل ذلك دفعني للاشتغال على صقل موهبتي الوليدة، وكل لوحة تشكيلية تولد يختلط فيها اللون والموسيقى والأحاسيس والخوف والفرح.
بدأت أبحث عن عناصري بالرسم وأنا طفل، ورافق بحثي في الرسم التعرّفُ على جوانب أخرى من الحياة، وخاصة عالم السياسة، وما إن حصلت على الشهادة الثانوية وسجّلت في الجامعة، حتى اعتقلت بتهمة علاقتي ببعض الأحزاب الراديكالية اليسارية، وبقيت فيه ست سنوات ونيفا دون محاكمة، وكانت تلك مرحلة جديدة في رؤيتي الفنّية غير المكتملة.
وكان السجن بداية جديدة لخلق فني جديد، ونظرا لعدم توافر الألوان والأدوات في السجن، صنعت بعض الأدوات بنفسي حتى أؤكد لها قبل الآخرين أنه لا يقف أي عائق أمام إرادة الانسان إذا رغب في إنجاز عمل ما.
وهكذا حافظت على استمراري بالاشتغال في الفن داخل السجن. وقد جعلني عالم السجن أرتبط بالإنسان والفن، وأقمت أول معرض لي داخل سجن صيدنايا عام 1991. ذاك المعرض كان البداية بالنسبة لي للبحث عن لوحتي الخاصّة.
تحرص على التجريب في أعمالك، تدخل مواد من بيئتك إليها، ويتبدى التغيير في لوحاتك بين مرحلة وأخرى، ماذا تقول عن ذلك؟

– بعد إطلاق سراحي بدأ بحثي الحقيقي في اللوحة وعوالمها ومفرداتها، باعتبار أن المجال أصبح واسعا أمامي للخوض فيها، وازداد امتلاكي لأدواتي الفنية والمعرفية.
ومن أهم ما كان يؤرقني وما أنجزته هو الولوج والاستغراق في تجربة التكنيك في اللوحة، وإدخال مواد بيئية مختلفة من أتربة وقشّ ورمل ورماد وجبس وخيش وتبن وغير ذلك في بنية اللوحة، لتكون دعامة ومرتكزا لعناصرها ومفرداتها.
وحاولت أيضا تأسيس اللوحة لطرح أفكار ورؤى متناقضة بين عناصرها ومفرداتها في عملية البناء التي تنتهي بتماهي واندماج هذه المتناقضات مع التكنيك في رؤية وقراءة مستقبلية تعبّر عن التحوّل غير المنجز للحالة الإبداعية في الشرق.
هذا من جانب، ومن جانب آخر، ارتباطها مع الحس الإنساني العاطفيّ، وأحيانا "الحالة القطيعيّة" لدى الإنسان الشرقي، والعمل على إيجاد حلول بين عناصر اللوحة ومفرداتها تعبيرا عن التناقض الذي يحمله الإنسان في داخله، لأن اللوحة تعبير عن الحالة الإنسانية الآنية والمستقبلية من وجهة نظر الفنان، كما أنها انعكاس للحالة الفكرية والثقافية والمعرفية له.
تعمل كمتطوّع في مجال حقوق الإنسان والمجتمع المدني، وبصفتك رئيس المركز السوري للمجتمع المدني ودراسات حقوق الإنسان، إلى أيّ حدّ يتداخل عملك الفني مع عملك التطوّعي؟

– الفن يرتبط ارتباطا وثيقا بالعمل التطوعي، فهو نتاج إنسانيّ غايته الإنسان، والعمل التطوعي الحقوقي أيضا يستهدف الإنسان، ومن هنا فإن الفن والعمل التطوعي صنوان في كثير من الجوانب، ويفترقان عندما يدخل الجانب القانوني في الأنظمة الروتينية.
أما بالنسبة لي فهما متطابقان، باستثناء الجانب الإبداعي الذي يتميز به الفن. ولأن المفاهيم والرؤى والأعمال تتداخل في الواقع، فقد قمنا بتأسيس "المركز السوري للمجتمع المدني ودراسات حقوق الإنسان"، حيث اجتمعنا نحن مجموعة من الفنّانين والكتاب والصحفيّين والأدباء.
رأينا أن هناك صراعا يدمر بنية المجتمع المدنيّ في البلاد وينتهك حقوق البشر قتلا وتهجيرا واعتقالا، وأن علينا أن نعمل من أجل الحفاظ ما استطعنا على المجتمع المدني والحد من الانتهاكات.
كيف تقيّم علاقة اللوحة بالثورة؟ وهل جسّدت ذلك في أعمالك؟

– اللوحة نتاج وعي إنساني، وهي محملة بالأحاسيس والأفكار والمشاعر والمعارف والانفعالات التي يحملها الفنان ويترجمها من خلال الخط واللون والمساحة إلى عمل إبداعي، ولابد أن يكون لهذا العمل علاقة بما يجري من حولنا.
الفنّان يحس ويلتقط ما حوله قبل غيره، ويشعر بمعاناة الذين من حوله من القهر والجوع والفقر والحرمان، فما بالك إذا كان ما يجري من حولنا ثورة. للثورة أثرٌ كبير وهام في كل جزء من اللوحة، ولو بشكل غير مباشر، فأنا من المدافعين عن الثورة وسلميتها حتى النهاية، وسأبقى مؤمنا باللاعنف سبيلا وخلاصا.
رسمت لأجل الثورة لوحات عديدة تلخصت في لوحات تعبيرية تجسّد "المظاهرات، والاعتصامات، والاحتجاجات، والخوف من المجهول، والخلاف والاختلاف.. إلخ"، وسأرسم المزيد والمزيد لأجل إيقاف الدم السوري الذي أصبح مستباحا، ولأجل استمرار الثورة والإصرار عليها لأجل نيل الحرية والكرامة الإنسانية لكل السوريين.