نضال سيجري.. ابتسامة غالبت الموت
سيجري من تلك الأصوات التي لا تُسمع كثيرا في الأزمة السورية اليوم، هو يرى أن "الفقراء والبسطاء هم من يدفعون الثمن"، وقد كتب مرة على صفحته بالفيسبوك "أيها الموت.. حتى أنت لم تكن عادلا.. لم تأت إلاّ على الفقراء في وطني. (…) الذين استشهدوا في بلدي من عسكريين ومدنيين هم فقط من الفقراء… الفقراء يُقتلون في بلدي.. والأغنياء يتشاطرون بالعدّ والإحصاء والتحريض".
لم يحبذ الفنان اللاذقاني لغة السلاح إذ يراها لغة قاصرة ومهلكة، وهو يرى أن بلده في حاجة إلى جميع أبنائه: "لو صار السلاح في كل الأيدي.. فأنا لن أحمله ولن أوجهه نحو أي سوري، نعم للتعايش والاختلاف.. نريد عقولا مفتوحة على العقول.. نريد أرواحاً تتسع للأرواح… سوريا أمّنا العظيمة تتسع للكل وبحاجة للكل".
لم تعد حنجرة نضال سيجري القوية في أعماله الكثيرة وفي مواقفه الصارخة في وجه آلة الاحتراب قوية بما يكفي لتوصل صداها إلى الناس، تلك الحنجرة اضطر لاستئصالها قبل أن تنطفئ جذوتها، فلم تعد تخاتل الألم لتصنع منه لحظات ضاحكة.
في فيلم "طعم الليمون" الذي أخرجه، يتناول سيجري يوميات عائلات لاجئين فلسطينيين ونازحين سوريين من الجولان السوري، بالإضافة إلى مهجرين عراقيين اجتمعوا في منزل واحد، في حي فقير في منطقة جرمانا بريف دمشق، ذلك البيت الآمن بات أمنية صعبة المنال، وتلك الأزمة التي أراد الفنان السوري أن يحكيها كانت مجرّد بداية.
بأعماله الفنية المنتقاة وشخصياته البسيطة التي قدمها كان نضال سيجري "قريبا من الناس"، على حد تعبير الروائي خالد خليفة، الذي يرى أن وفاته "جاءت بينما بدا نجمه يلمع وبخاصة بعد دوره في مسلسل ضيعة ضايعة الذي كان نقلة نوعية في الكوميديا السورية". صنع سيجري في "ضيعة ضايعة" كوميديا بسيطة وعفوية معبرة، تلك كانت مرحلة مهمة من حياته قبل أن يصبح الوطن كله على عتبة الضياع.
وجد "شارلي شابلن العرب" مثواه الأخير في مدينة اللاذقية مسقط رأسه التي ألهمته أزقتها وشوارعها وحاراتها أحلامه، وصنعت مسارحها موهبته الفنية التي أنتجت أعمالا تلفزيونية عديدة لعل من أبرزها "بقعة ضوء"، و"زمن العار" و"غزلان في غابة الذئاب" و"شركاء يتقاسمون الخراب" و"أبناء القهر".
ولم يغادر الفنان الراحل خشبة المسرح، وهو عشقه الأول، حيث قدم عددا من المسرحيات بينها "كاليغولا" و"نور العيون" و"أواكس" و"سفر برلك" و"بحيرة البجع" و"حمَّام بغدادي"، فمن حكايات الناس كان سيجري يصنع الأعمال الجادة، ويبث بهجة تغالب الهم اليومي.