حين يفقد التاريخ ذاكرته بالإسكندرية

الاسكندرية اغلقت متاحفها بسبب الانفلات الامني او التجديدات
undefined

أحمد عبد الحافظ-الإسكندرية
 
في مدينة كالإسكندرية، هي بانوراما مفتوحة للتاريخ، وبوتقة للحضارات والأعراق المتعددة، وحاضرة اختصرت العالم في مرحلة ما، توصد المتاحف، وتغلق بوابات الذاكرة أمام السياح والزائرين. فبسبب أعمال التجديد والصيانة أو الانفلات الأمني فقدت "عروس المتوسط" في الآونة الأخيرة معظم متاحفها المعروفة.
 
فرغم تميز الإسكندرية بآثارها العريقة التي ترجع لعصور وحضارات متعاقبة خاصة الفرعونية والقبطية والإسلامية، إلا أنها أصبحت خالية تقريبا من المتاحف، ولم يبق إلا المتحف القومي الذي يعتبر النافذة الوحيدة لزائري المدينة من بين ستة متاحف أخرى مغلقة، مما يؤثر بشكل سلبي في الإقبال السياحي على آثار المدينة.
 
‪‬ أعمال الترميم أدت إلى إغلاق المتحف اليوناني الروماني بالمدينة(الجزيرة)
‪‬ أعمال الترميم أدت إلى إغلاق المتحف اليوناني الروماني بالمدينة(الجزيرة)

إجراءات احترازية
وضمن تبعات الانفلات الأمني بعد ثورة 25 يناير، أغلق متحف المجوهرات الذي يضم مقتنيات الأسرة التي حكمت مصر، خاصة المجوهرات والحلي الملكية النادرة بدءا من محمد علي باشا حتى فاروق الأول، وذلك كإجراء احترازي لمنع سرقته، ولم يتم افتتاحه حتى الآن منذ أحداث الثورة.

 
كما يخضع المتحف اليوناني الروماني لأعمال ترميم وتطوير، وهو المتحف الذي يرجع تاريخ إنشائه لعام 1892 ويضم نحو مائتي ألف قطعة أثرية نادرة هامة عثر عليها بالإسكندرية وما حولها تحكي مرحلة مهمة من تاريخ مصر ومنطقة البحر المتوسط.
 
وتوقف العمل أيضا بمتحفي الفسيفساء والآثار الغارقة -اللذين أعلن عن إنشائهما أكثر مرة- عند دراسة الخبراء والأثريين وتحديد المقتنيات دون معرفة موعد الافتتاح، وهو نفس مصير المتحف البحري والذي يتميز بكونه متحفا نوعيا يؤرخ لتاريخ وأمجاد البحرية المصرية عبر العصور.
 
وانتقد رئيس جمعية الأثريين المصريين والأمين العام السابق للمجلس الأعلى للآثار الدكتور عبد الحليم نور الدين استمرار غلق متاحف المدينة، بعد أن كانت تمثل الوجهة الرئيسية للسياح من كل أرجاء العالم، كما انتقد عزوف العديد من شركات السياحة عن تنظيم رحلات إليها.
 
واعتبر أن إغلاق المتاحف خسارة ثقافية واقتصادية لا تقدر بثمن، مشيرا إلى أن التباطؤ في إعادتها  للخدمة يهدد القطع الأثرية التي كانت معروضة بها والمخزنة حاليا بالتلف، لطول مدة التخزين وبسبب التغييرات المناخية وارتفاع نسبة الرطوبة بهذه المناطق.
 
ولفت إلى أن تنفيذ التجديدات في أكثر من متحف، وفي نفس التوقيت -إلى جانب تأخر افتتاح عدد منها رغم انتهاء أعمال التطوير- تسبب في توقف أو خفض الكثير من الموارد المالية التي تساهم في انتعاش الاقتصاد المصري.
 
‪‬ إبراهيم درويش: طالب بسرعة توفير الاعتمادات المالية للانتهاء من أعمال صيانة المتاحف(الجزيرة)
‪‬ إبراهيم درويش: طالب بسرعة توفير الاعتمادات المالية للانتهاء من أعمال صيانة المتاحف(الجزيرة)

لعنة الغلق
وأبدى الدكتور إبراهيم درويش رئيس قطاع المتاحف في الإسكندرية ومدير المتحف القومي المصري الأسبق تخوفه الشديد من استمرار غلق أهم متاحف المدينة -والتي تعرض تشكيلة واسعة من الآثار التي تم العثور عليها في المدينة وما حولها- إلى أجل غير مسمى بعد ارتفاع ديون المجلس الأعلى للآثار والتي بلغت نحو مليار جنيه (نحو 143 مليون دولار).

وطالب بسرعة توفير الاعتمادات المالية أو تنظيم حملة تبرعات للانتهاء من أعمال الصيانة والتجديد، لإثراء الحركة السياحية التي تلعب دورا مهما في الاقتصاد العالمي، نظرا لما تحققه  من إيرادات تمكن من إيجاد حلول لهذه المشاكل. وأوضح أن لعنة الغلق التي أصابت المتاحف سيكون لها تأثير كبير على مستقبل الحركة السياحية للمدينة.

من جهته، أكد  الدكتور محمد مصطفي مدير الآثار بمحافظة الإسكندرية أنه بالرغم من خروج أبرز خمسة متاحف من الخدمة مؤقتا، إلا أن المدينة تمتلك العديد من المناطق والمزارات التي تلعب دورا جيدا في تحقيق الإقبال السياحي عليها، مثل المتحف القومي المصري فضلا عن مقابر كوم الشفافة وقلعة قايتباي وعامود السواري وغيرها.

وأشار في حديثه للجزيرة نت إلى أن قرارات التجديد أو الترميم ضرورية لأي موقع أثري بعد فترة زمنية لتنشيط السياحة، والتي تمثل المتاحف جزءا مهما من الخريطة السياحية لتفادي أي أضرار قد تحدث خلال الزيارات المتكررة  والتي لا تنقطع على مدار العام.

من جانبها، أكدت الدكتورة سهير أمين مديرة متاحف الإسكندرية على أن نقص التمويل وعدم الاستقرار والانفلات الأمني هي الأسباب التي أدت إلى ما تشهد المتاحف حاليا، وأوضحت أن ميزانية الترميم أو التجديد تعتمد بشكل أساسي على التمويل الذاتي، وإيرادات المتاحف المفتوحة والمواقع الأثرية من حركة السياحة التي تأثرت بشكل كبير بعد ثورة 25 يناير.

وعن تعرض مجموعات القطع الأثرية والمخزنة للتلف أو الضياع، قالت سهير للجزيرة نت لا توجد أي خطورة على المجموعات الأثرية وعلى مقتنيات جميع المتاحف، سواء الخاضعة لخطة التطوير أو المغلقة، فهي مؤمّنة بشكل جيد وتتم مراجعة محتوياتها باستمرار حتى إعادتها إلى مكانها مرة أخرى.

المصدر : الجزيرة