أزمة متصاعدة في الساحة الثقافية بمصر

مثقفون مصريون ينظمون وقفة للتعبير عن مخاوفهم من تقييد الإبداع
undefined

بدر محمد بدر-القاهرة
 
أحدثت قرارات وزير الثقافة المصري الجديد علاء عبد العزيز بإقالة عدد من قيادات الوزارة حالة من الجدل والتوتر والرفض في صفوف المثقفين أدت إلى موجة استقالات ومظاهرات ووقفات احتجاجية اعتراضا على هذه القرارات التي شملت رموزا معروفة، وهو ما يبدو أنه اتساع للهوة بين وزير الثقافة الجديد وقطاع واسع من المثقفين.

 
وشهدت دار الأوبرا المصرية بالقاهرة أمس الخميس مظاهرة لمئات المثقفين تطالب بإقالة عبد العزيز وتندد بحكم الإخوان المسلمين، وسط اتهامات من مثقفين وفنانين بما سموه "أخونة الدولة واستهداف الثقافة" في مصر، بعد تعيين وزير الثقافة الجديد الذي يرى البعض أنه غير معروف في الساحة الثقافية.
 
وأطلق المشاركون في المظاهرة على مسيرتهم التي طافت دار الأوبرا "وقفة الإنذار الأخير" لإقالة عبد العزيز، مهددين بتصعيد يشمل احتلال المواقع الثقافية تضامنا مع فناني دار الأوبرا المعتصمين منذ يومين، الذين قرروا وقف أنشطة الدار منذ الثلاثاء الماضي إلى أن يُقال الوزير.

وكان عبد العزيز، الذي تولى المنصب قبل ثلاثة أسابيع فقط، أقال عددا من قيادات الوزارة أحدثهم رئيسة دار الأوبرا إيناس عبد الدايم، وهو ما دفع فناني عرض "أوبرا عايدة" لإلغاء العرض في اليوم نفسه في سابقة لم تشهدها عروض الأوبرا منذ تأسيسها قبل أكثر من 140 عاما.

كما أقال الوزير الجديد -وهو أستاذ بأكاديمية الفنون- كلا من رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب أحمد مجاهد ورئيس قطاع الفنون التشكيلية صلاح المليجي.

‪أحمد عبد المعطي: قرارات وزير الثقافة الأخيرة خطة مدبرة للانفراد بالسلطة‬  أحمد عبد المعطي: قرارات وزير الثقافة الأخيرة خطة مدبرة للانفراد بالسلطة
‪أحمد عبد المعطي: قرارات وزير الثقافة الأخيرة خطة مدبرة للانفراد بالسلطة‬  أحمد عبد المعطي: قرارات وزير الثقافة الأخيرة خطة مدبرة للانفراد بالسلطة

رفض "الأخونة"
وذكر الوزير عبر الصفحة الرسمية للوزارة على موقع فيسبوك "أن التغييرات الجارية حاليا في مختلف قطاعات الوزارة هدفها الأول ضخ دماء ورؤى جديدة لإحداث حراك ثقافي يعبر عن ثورة 25 يناير".

وفي رد فعله على الأوضاع الأخيرة قدم رئيس "بيت الشعر" بالمجلس الأعلى للثقافة أحمد عبد المعطي حجازي استقالته قائلا "استقلت من جميع مناصبي في الوزارة احتجاجا على ما يقع الآن للمثقفين المصريين ورجال القضاء ورجال الإعلام على أيدي الإخوان المسلمين وحلفائهم الذين استولوا على السلطة، وآخرهم وزير الثقافة الحالي".

وأكد حجازي للجزيرة نت أن "هذه القرارات هي خطة مدبرة للانفراد بالسلطة والبقاء فيها، وتزوير التاريخ وإسقاط الدولة وتدمير مؤسساتها، وانتهاك الحقوق، والعدوان على الحريات، والتنكيل بالمعارضين، ومن أجل كل ذلك أرفض العمل في هذا المناخ".

وأشار الروائي بهاء طاهر من جهته إلى أن "هذه أول مرة منذ عشرات السنين يتفق المثقفون والفنانون على هدف واحد هو الدفاع عن الثقافة الوطنية المهددة"، إذ إن "تعيين وزير للثقافة غير معروف في الوسط الثقافي يسيء إلى المنصب".

وأضاف صاحب "خالتي صفية والدير" للجزيرة نت أن "الثقافة والهوية المصرية فى خطر، وبخاصة بعد إقصاء الرموز الثقافية بدعوى باطلة ومن دون أي أدلة، والمذبحة شملت قيادات أهم القطاعات الثقافية".

وكان الناقد أسامة عفيفي قد استقال من رئاسة تحرير مجلة "المجلة"، كما استقال أعضاء مجلس أمناء بيت الشعر جميعا وهم -إضافة إلى حجازي- فاروق شوشة ومحمد إبراهيم أبوسنة وسيد حجاب ومحمد عبد المطلب ومحمد حماسة عبد اللطيف وحسن طلب وسعيد توفيق ومحمد سليمان والسماح عبد الله.

‪خالد فهمي: استمرار نفر من المثقفين في الدفاع عن الوضع الفاسد ناتج عن خلل في الرؤية‬ خالد فهمي: استمرار نفر من المثقفين في الدفاع عن الوضع الفاسد ناتج عن خلل في الرؤية
‪خالد فهمي: استمرار نفر من المثقفين في الدفاع عن الوضع الفاسد ناتج عن خلل في الرؤية‬ خالد فهمي: استمرار نفر من المثقفين في الدفاع عن الوضع الفاسد ناتج عن خلل في الرؤية

ملفات الفساد
وفي استياء عدد من المثقفين من الإجراءات الأخيرة، تؤكد خبيرة الدعم الفني بوزارة الثقافة نجلاء فتحي أن الوزير الجديد وضع يديه على ملفات الفساد في الوزارة، وحول معظمها حتى الآن للتحقيق، ولذا تشتد هجمة كبار موظفي الوزارة على قراراته الجريئة.

وأكدت نجلاء للجزيرة نت، وهي تعمل بالوزارة منذ عهد وزيرها الأسبق فاروق حسني، أن "الوزير الحالي بدأ في تفكيك شلة المنتفعين بالوزارة واحدا تلو الآخر، ومعظم القيادات المقالة انتهت مدة انتدابها قانونيا".

وأشارت إلى أن معظم موظفي الوزارة سعداء بسبب ما سمتها "قرارات الوزير العادلة"، بينما يعترض عليها من جعلوها وزارة مهرجانات واحتفالات، وحولوها إلى "سبوبة" ونفحات لفئة معينة تكاثرت عن طريق توريث المناصب والوظائف.

من ناحيته أكد أستاذ النقد والبلاغة بجامعة طنطا حلمي القاعود أن رجال الحظيرة الثقافية الفاسدة هم الذين يثيرون الآن الزوابع حول تطهير وزارة الثقافة من الفساد المتجذر الذي صنعه فصيل واحد يتقن الإقصاء والتغييب والتهميش، إنهم خصوم الحرية والديمقراطية والثقافة الحقيقية.

وأضاف القاعود للجزيرة نت أن "الفساد الذي يعشش في أركان الوزارة منذ ستة عقود يحتاج إلى عملية جريئة تقوم بتنظيفها بقوة، وتوقف إهدار المال العام الذي يشبه في تدفقه بلا مقابل حنفية مفتوحة لم يجرؤ أحد على إغلاقها من قبل، وهو ما جعل هؤلاء يسارعون إلى تقديم الاستقالات وإصدار البيانات وتدبير الوقفات".

وبدوره أكد أستاذ اللغة العربية وآدابها بجامعة المنوفية خالد فهمي أن تأييد نفر من المثقفين بقاء الحال على ما هو عليه في وزارة الثقافة، والدفاع عن استمرار هذا الوضع الشاذ والفاسد،‏ ورفض إرجاع الأمور إلى نصابها ورفع الظلم عن المضطهدين‏،‏ يشير إلى أن لدى هؤلاء خللا في الرؤية‏ ومعيارا مزدوجا‏.

وقال فهمي للجزيرة نت "هؤلاء يحكمون على الأمور من خلال انحياز أيديولوجي فج، وعداء مستحكم لمن يخالفونهم المذهب والاتجاه، حتى لو كان ما يتم في صالح جموع الشعب والوطن".

وكان مثقفون وفنانون وائتلافات ثقافية ونقابات فنية قد أعلنوا في نقابة الصحفيين بالقاهرة الأسبوع  الماضي تأسيس "جبهة الدفاع عن الثقافة المصرية"، لكن وزارة الثقافة المصرية أكدت في صفحة الوزارة على فيسبوك وجود "تصور شامل لإثراء الحياة الثقافية المصرية وفق منظومة القيم المصرية الأصيلة".

المصدر : الجزيرة