كوميديا سوداء فلسطينية على مسرح باريسي
محطات التاريخ
ويشكّل النص الثاني الذي يحمل عنوان "تخييم" دعوة طريفة من قبل شابتين فلسطينيتين إلى المواطنين الأوروبيين للتخييم في فلسطين، حيث الحياة أجمل بكثير من الحياة في أوروبا. والدليل؟ عدم تمكن الأوروبيين من الحصول على إجازة أطول من يومين أو ثلاثة في السنة للتخييم مع عائلاتهم، بينما يعيش الفلسطينيون في مخيمات منذ 64 عاما.
وفي النص الثالث، نستمع إلى مكالمة هاتفية خيالية يدعو أحد الفلسطينيين فيها نتنياهو وباراك إلى وقف إطلاق النار عبثا على أحد المخيمات المهجورة، وينصحهما بتوظيف الأموال الطائلة التي ينفقاها على شراء الأسلحة لشراء مواد عذائية للمحتاجين في إسرائيل وتشييد منازل للمشردين وحل مشكلة البطالة.
كما ينصحهما بالعيش ككائنين بشريين حقيقيين بدلا من سفك الدماء والتعذيب والطرد، وبالتوقف عن الكذب على العالم وعلى نفسيهما عبر تسمية مجازرهما حرباً، سائلاً إياهما إن كانا يحتاجان إلى قتل ستة ملايين فلسطيني كي يشعرا بالذنب ويقرّان به.
لا تفسر طرافة هذه النصوص وحدها نجاح هذا العمل المسرحي الذي يعود أيضا إلى القدرات الأدائية العالية للممثلين الذين ينتمون جميعاً إلى المسرح الوطني الفلسطيني |
قوة الأداء
وفي النص الرابع، يستيقظ رجل فلسطيني في القبر بعد ثلاث سنوات ليجد زوجته وأولاده قد لحقوا به باستثناء ابنته خديجة، فينطلق حوار طريف بين الزوجين نتعرف فيه إلى ظروف موت أفراد عائلتهما ويتمنيان خلاله وفاة ابنتهما سريعا كي يلتم شمل العائلة.
وفي النص الخامس، نستمع إلى تذمّر قتيل فلسطيني لعدم سماح السلطات الإسرائيلية لأهله بتنظيم جنازة محترمة له ولدفنه في مقبرة جماعية لم يعد فيها متسع لأي جثة أخرى.
وبعد ترجّيه القتلى حوله توفير فسحة له، تفتح دبابة إسرائيلية الأرض فوقه فيسأل الجندي الذي على متنها إن كان جيشه قد فرغ من قتل الفلسطينيين الأحياء فقرر قتل موتاهم مرة أخرى، قبل أن يتلقى اتصالا هاتفيا من والده يعلمه فيه أن أخته التي طلّقها زوجها لأنها سمراء أصبحت بيضاء بعد وقوع قنبلة فوسفور على منزلهم، وأن أمه أضحت شقراء بعينين زرقاوين.
ولا تفسر طرافة هذه النصوص وحدها نجاح هذا العمل المسرحي الذي يعود أيضا إلى القدرات الأدائية العالية للممثلين الذين ينتمون جميعا إلى "المسرح الوطني الفلسطيني"، وأبرزهم حسام أبو عيشة، الذي أبهر جمهوره بحضوره ومهارته في تجسيد شخصيات مختلفة، وأيضا كامل الباشا وعلاء أبو غربية وداوود طوطح وشادن سليم وياسمين همار، الذين تألقوا في تأدية أدوارهم.
ولحل مشكلة إيصال هذه النصوص المكتوبة بالعربية المحكية في فلسطين إلى جمهور فرنسي، لجأ عادل حكيم إلى وسيلتين: الترجمة الشفهية الفورية حين تعلّق الأمر بمونولوجات، وقد اضطلع المخرج بهذه المهمة، مما حوّله إلى حلقة وصل مثيرة بين الممثل وجمهوره ألغت الحيّز الذي يفصل عادة بينهما، والترجمة المكتوبة التي كانت تظهر على شاشة خلفية كبيرة وفقاً لإيقاع الحوارات. علما بأن قراءة النصوص بهذه الطريقة كانت تتم حتما على حساب متابعة أداء الممثلين.