السينما الفلسطينية.. الثورة المرئية

لقطة من فيلم "عمر " للمخرج الفلسطيني هاني أبو اسعد المخرج هاني أبو مظهر
undefined
 
زهير حمداني
لا يحمل المخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد معه إلى الدورة 66 لمهرجان كان إرثه الشخصي كمخرج سينمائي مميز وناجح، بل يستدعي بحضوره تاريخا مهما للسينما الفلسطينية، التي استطاعت رغم كل العوائق والحصار أن تسجل نجاحات مهمة عالميا، وتؤكد قوة حضور السينما في المشهد الإبداعي والنضالي الفلسطيني.
 
قبل سنوات قدم أبو أسعد أحد أهم إنجازات هذه السينما بفيلمه "الجنة الآن" وحصل على جائزة "غولدن غلوب" المرموقة سنة 2006 ليرفد المشهد البصري بأفلام قوية وناجحة إلى جانب ميشيل خليفي وإيليا سليمان ورشيد مشهراوي وأجيال جديدة من مخرجي الأفلام التسجيلية، التي جعلت الصورة الحامل الإبداعي الجديد للقضية الفلسطينية.

مشاركة أبو أسعد بالمهرجان السينمائي الدولي العريق بفيلمه "عمر" سبقه حضور مميز للمخرج إيليا سليمان في دورة سنة 2002، حيث نال فيلمه "يد إلهية" جائزة لجنة التحكيم الخاصة، وقبله ميشيل خليفي الذي توج فيلمه "عرس الجليل" بجائزة الاتحاد الدولي للصحافة بمهرجان كان عام 1987 والتانيت الذهبي لمهرجان قرطاج بعد سنة، ورشيد مشهراوي بفيلمه الناجح "حتى إشعار آخر" الحائز على عدة جوائز.

‪أبو اسعد يشارك بالدورة 66 لمهرجان كان السينمائي‬ (الجزيرة)
‪أبو اسعد يشارك بالدورة 66 لمهرجان كان السينمائي‬ (الجزيرة)

السينما المناضلة
وإذا كان حضور السينما الفلسطنية باهتا في مرحلة ما بعد النكبة -كما هو الحال في معظم البلاد العربية- وظل المتن السردي والشعري هو المعبر والحامل للهم الفلسطيني في الداخل وفي الشتات، فقد تمكنت السينما الفلسطينية لاحقا ولو بتجارب فردية غالبا وأحيانا مؤسساتية أن توثق للقضية الفلسطينية، لكنها ظلت أيضا تلك السينما المنفية واللاجئة، والتي تناضل لإثبات وجودها، كما عموم الشعب الفلسطيني.

ومع انطلاقة الثورة الفلسطينية عام 1965 وبدايات الكفاح المسلح وتأسيس "وحدة أفلام فتح" التي أشرف عليها المخرج مصطفي أبو علي, كانت العدسة رديفا للبندقية في الكفاح وناقلة للحراك الثوري، وكان فيلم المخرج قاسم حول "عائد إلى حيفا" (عن رواية غسان كنفاني) -أول فيلم روائي تنتجه الثورة الفلسطينية- عنوانا لهذه المرحلة، حيث كانت الأعمال السينمائية الفلسطينية -على قلتها- مباشرة في ثوريتها وخطابها الانفعالي أحيانا.

ويؤكد العديد من النقاد أن المخرج ميشيل خليفي كان أول من أخرج السينما الفلسطينية من خانة الثورية بالمعنى الذي كان سائدا بالستينيات والسبعينيات من القرن الماضي وأسس لسينما جديدة تغادر المعسكرات وخنادق المواجهة المسلحة لتدخل منازل الأسر الفلسطينية تحت الاحتلال ولتطرح القضية الفلسطينية سواء عبر فيلمه "الذاكرة الخصبة" وخاصة "عرس الجليل" من منظور مختلف وتقنيات مختلفة.

وعبر أجيال لاحقة من المخرجين معظمهم من فلسطينيي الشتات الدارسين بالخارج، ظهرت موجة سينمائية جديدة تمكنت من تجاوز المعوقات العديدة، وخلقت مشهدا مختلفا وتواصلا مع المشاهد الغربي والعربي ونقلت الكثير من الحقائق والأحداث الساخنة سواء في المخيمات أو الداخل الفلسطيني بلغة مميزة وتقنيات سينمائية عالية ونشطت خاصة السينما التسجيلية.

العدسة المناضلة بغزة استطاعت رصد وتسجيل كل الأحداث التى مرت على القطاع فترات الحروب والحصار، وأوصلت من وراء الجدران أصوات الناس وأحزانهم وصمودهم ومقاومتهم لتصبح السجل الجديد للقضية الفلسطينية

سينما مختلفة
ورغم صعوبات العمل ومن أهمها منع التصوير من قبل الاحتلال الإسرائيلي والحواجز الأمنية ومشاكل التمويل، تحدثت تلك الأعمال عن المخيمات وأطفال الحجارة والقمع الإسرائيلي والمعابر والجدار العازل، كما بعمل محمد بكري "جنين جنين" وفيلم "صبرا شاتيلا" للمخرجة "مي مصري" وفيلم "خمس كاميرات مكسورة" للمخرج عماد برناط الذي دخل سباق أوسكار 2012. 

ومع زيادة عدد المخرجين الشباب تعددت الأفلام وتنوعت مواضيعها وتحسنت أدواتها، وباتت تجد رواجا عالميا وتحضر أهم الملتقيات السينمائية الدولية -ولو خارج المسابقات الرسمية- وأضحت سلاح مقاومة حقيقيا في مواجهة الاحتلال بعيدا عن منطق التسلية والتجارية. 

فالعدسة الفلسطينية التي أعطت أول شهيد للسينما وهو الراحل "هاني جوهرية" سنة 1976 حينما كان يصور فيلما عن المقاومة بلبنان، تبقى مع تغير أدواتها واختلاف أجيالها السينما المقاومة والكاميرا المناضلة التي تلاحق تجليات الواقع الفلسطيني الهوية لتكون سجلا مرئيا للثورة والإنسان الفسطيني.

ولعل تلك العدسة المناضلة في غزة استطاعت رصد وتسجيل كل الأحداث التى مرت على القطاع  في فترات الحروب والحصار، وأوصلت من وراء الجدران أصوات الناس وأحزانهم وصمودهم ومقاومتهم لتصبح السجل الجديد للقضية الفلسطينية.

بأدوات بسيطة وروح إبداعية عالية بدأ المخرج إبراهيم حسن سرحان منذ ثلاثينيات القرن الماضي(1935)  يسطر تاريخ السينما الفلسطينية، لتبدع أجيال لاحقة أعمالا مهمة ومسارا مميزا لسينما ملتصقة بالوطن.

وما زالت كاميرات لمخرجين من أمثال ناهد عواد وخالد جرار وباري القلقيلي وخليل المزين وعوض أبو الخير وسامح المدهون وشيرين دعيبس وآن ماري جاسر تكتب هذا التاريخ وتسجل بعدساتها ثورة مرئية.

المصدر : الجزيرة