تشييع الشاعر الليبي السنوسي حبيب

الشاعر أثناء علاجه في باريس ( الجزيرة نت- أرشيف).
undefined

خالد المهير-طرابلس

بعبارات الحزن والوداع شيعت ليبيا أمس الشاعر السنوسي حبيب إلى مثواه الأخير في قريته هون عن عمر يناهز 57 عاما.

وقد صارع الراحل المرض طيلة السنوات الأخيرة، كما صارع الاستبداد والدكتاتورية حتى خلف قضبان السجن، وهو ليس شاعرا تنتهي مهمته عند كتابة النصوص، لكنه أحد قادة الحركة الطلابية التي واجهت نظام القذافي مبكرا عام 1976، ومن دواوينه "قريبا من القلب"، و"من ذاكرة المكان"، و"المفازة وشظايا العمر المباح".

واعتبر الروائي عبد الفتاح البشتي رحيله يوما حزينا للحركة الوطنية والثقافة الديمقراطية وللشعر في ليبيا.

وقال البشتي للجزيرة نت إن رفيقه السنوسي إنسان وطني من الطراز الرفيع، فضل البقاء في متجره الصغير بقريته هون جنوبا عن العمل في الشركات والمصالح الكبيرة لاقترابه من أهله العاديين، ووصف الراحل بأنه "مناضل شجاع وأحد المثقفين المستنيرين التقدميين".

‪الماقني اعتبر الراحل مثقفا كبيرا وصاحب رؤية نقدية‬ (الجزيرة نت-أرشيف)
‪الماقني اعتبر الراحل مثقفا كبيرا وصاحب رؤية نقدية‬ (الجزيرة نت-أرشيف)

صوت هام
كما يؤكد الناقد رضا بن موسى في حديثه للجزيرة نت أن السنوسي صوت هام في تطور القصيدة الليبية التي خرجت بداية السبعينيات من القرن الماضي من الطابع الأيديولوجي والخطاب المباشر الصارخ إلى العقلانية.

وتساءل بن موسى: كيف يتحدث إنسان عن شخص عاشره لسنوات طويلة في ساحات العلم والنضال والسجن؟ مؤكدا أنه على صلة بوجدان السنوسي ومشاعره وعواطفه حتى أثناء صراعه المرير مع مرض السرطان، وأنه كان يشجعهم على الصمود تحت وطأة التعذيب.

يقول رفاقه في سجن الحصان الأسود إنه كان يشعل لهم القناديل وسط عتمة الزنازين، ويكتب لهم القصائد عن الإنسان والحرية والوطن على علب السجائر الفارغة، ويدعم صمودهم إلى لحظة تحطيم بوابة السجن في الثالث من مارس/آذار 1988.

وبينما اعتبره الناقد نور الدين الماقني في حديثه للجزيرة نت "مثقفا كبيرا وصاحب رؤية نقدية وطنية"، عادت الشاعرة أم العز الفارسي بذاكرتها قليلا إلى عام 2011 حينما زارته في مصحته بتونس وجالسته لأيام.

وذكرت للجزيرة نت أن الفقيد كان له شعر يقول فيه:

تهلل تهلل تهلل

ترى الأرض ترقص جذلي.. تبصرك إذ تهلل

تهلل بدمع الأرامل.. تهلل بما بذل الشهداء من دمهم

وتضيف الفارسي أن هذه الأبيات من مفكرة على الطاولة الصغيرة في مرقده، ولا تدري إن كان السنوسي قد أكملها أم لا.

ورغم ضعفه ومتاعب جسده، بحسب الفارسي، "كان كطفل صغير فرحا بنجاح ثورة التحرير، وكان يوجه الخطاب لشعبه الليبي".

وأضافت "صورت الورقة التي تحوي الكلمات بخط يده وأخذت له بعض اللقطات، لم يشك لي أنه لم يعد يقوى على بلع الطعام، وأن وظائف جسمه تتداعى وأنه لم يعد لديه كثير من الوقت، ولكن الطبيب قال لي ذلك، فودعته، ولكن إرادة الحياة أبقته عاما ونصف العام بعد زيارتي التي اعتقدت فيها أنه لن يعش إلا أسابيع بحسب طبيعته".

‪السنوسي صارع السرطان‬  (الجزيرة نت- أرشيف)
‪السنوسي صارع السرطان‬ (الجزيرة نت- أرشيف)

هول الأصفاد
ونشر الشاعر إدريس ابن الطيب أمس نصا على لسان السنوسي حبيب بعد سماع خبر رحيله، يقول فيه:

إن شئت أن ترتقي جبلا عاليا فانتظرني لكي نستحيل نسيما هناك

أو شئت أن تجتبيني لمجد الأساطير كي نستحيل معا نبتة في هضاب الجبال

إن شئت أن تنبت الزهر بين أصابع أطفالنا كي تخفف عنهم عناء القطاف

أو شئت أن تتحدث عن وطن اثخنته الجراح

إن شاء لي ملكوتك أن أتمدد متكئا فوق موج البحار

أو شاء لي كهنوتك أن أتلاشى وأهزم دون اختيار

فاعلم بأن المسافة بيني وبينك قد قطعت منذ عهد بعيد

وأني هنا لا أهابك.. فاحضر متى شئت.. أو فلتفكر إذا شئت في الانتحار.

أما الكاتبة الليبية فاطمة محمود فعبرت عن حزنها لفقدان السنوسي حبيب بقولها للجزيرة نت "يتعالى حبيب عن كل هذا القش، يشرد لأن حاجته للحرية تفوق الفتات الذي يُلقى به إلينا، تعثّر مرارا بسجون كثيرة كانت تعوي في أثره، ابتسامته الرقيقة المثخنة بالنبل كانت تدلنا على السجون التي فينا، ذلك لأنه خبر هول الأصفاد..! الحبيب يتركنا غيلة لِيُتمِنا.. مكمّلا لوحة حريته وربما حريتنا المشتهاة".

حزن عميق
وعبر كل من الكاتب عبد العظيم البشتي والشعراء صالح قادربوه وعبد الباسط أبو بكر والنقاد طارق الشرع في مقابلات مع الجزيرة نت عن حزنهم العميق لرحيل شاعر كبير، مؤكدين أن القبر "لن يطوي سيرة السنوسي حبيب النبيلة".

وأضاف قادربوه أن التاريخ لن ينسى تاريخ السنوسي الثقافي والسياسي والوطني ونضاله ضد الدكتاتورية وإيمانه بالحرية وكيف كان في سجنه يعلّم صغار السجناء تراث الشعر وإيقاعاته وأدب العربية والعالم، "حقا لقد فقدنا جسم الشاعر، لكن روحه بقيت حية في النصوص وفي قلوبنا".

المصدر : الجزيرة