"اسرق أقل رجاء".. مقاربة فلسطينية للفساد

مسرحية اسرق أقل رجاء عن الفساد ومحاربته
undefined

ميرفت صادق-رام الله
 
عبر مقاربة عربية لنص الكاتب الإيطالي داريو فو "اسرق أقل رجاء" يعالج المخرج الفلسطيني فتحي عبد الرحمن في عرض مسرحي لفرقة المسرح الشعبي الفلسطيني برام الله واقع الفساد المالي والسياسي والاجتماعي في المجتمعات العربية ليسعى لفتح العيون على اتساعها ورفض آفة الفساد.

 
وتنتمي المسرحية، التي ترجمها للعربية الباحث والناقد السوري نبيل الحفار، إلى الكوميديا السوداء محفزةً على قول لا لمن يخدعون ويضللون ويستخفون بشعوبهم، وإلى "تعرية التخلف الاجتماعي وانهيار القيم، وتحارب الفساد وضعف الحياة الديمقراطية"، لكنها في الوقت ذاته "تغرز الأمل والحلم بالعدالة والحرية"، وفقا للمخرج.
 
‪حملت مسرحية
‪حملت مسرحية "اسرق أقل رجاء" مقاربة عربية لنص الكاتب الإيطالي داريو فو‬ حملت مسرحية "اسرق أقل رجاء" مقاربة عربية لنص الكاتب الإيطالي داريو فو

الفساد والرفض

ويقدم عبد الرحمن في عمله أنماطا مختلفة للفساد منها الفساد المباشر المرتبط بالاختلاس والسرقة أو الاعتداء على حقوق الفقراء أو التواطؤ مع الفاسدين أو الخوف منهم والسكوت عنهم، ولكنه يركز أيضا على نموذج مقاومة الفساد ورفضه من خلال شخصية "مريم" حفارة القبور، التي تقوم بدورها الفنانة الفلسطينية الشابة مرح ياسين.
 
وتبدأ المسرحية باكتشاف "مريم" محاولات نقل مقبرة للفقراء لصالح إقامة مشروع استثماري مكانها، ومن ثم الكشف عن سلسلة طويلة من عمليات الفساد الموثقة بأسماء ووثائق لشخصيات لامعة يقابلها تشويه صورة من يحاولون مقاضاة الفاسدين، بل اتهامهم بالجنون أيضا.
 
وبينما يتناول النص الأصلي لداريو فو -الحائز على نوبل للآداب عام 1997- تغلغل الفساد في المجتمعات الإيطالية والأوروبية والآليات التي تلجأ إليها الأنظمة الفاسدة "لمنهجة" الفساد والتلاعب بعقول الجمهور وسحق المعارضين، كانت المسرحية بمقاربتها العربية تطرح مواضيع تهريب الأموال والكسب غير المشروع ووسم ملاحقي الفساد "بالمجانين".
 
وأجرى المخرج تعديلات طفيفة على نص فو ليتواءم مع البيئة الفلسطينية -كما يقول- كما اختُصر زمن المسرحية من ثلاث ساعات ونصف الساعة إلى ساعتين، باعتبار أن الجمهور الفلسطيني غير معتاد على مشاهدة مسرحية تمتد لثلاث ساعات.
 
وفي المسرحية يقر الممثل، الذي يقوم بدور "الوزير" أو رجل السلطة الذي يحارب محاولات القضاء على الفساد، بأن هذا الأمر يكون متاحا بصورة محدودة فقط، ويورد مقولة ميكافيلي "تحتاج الدولة إلى حفنة من الفضائح بنسبة محدودة مدروسة إذ إن فيها ما يرسّخ إيمان الشعب بالدولة التي كاد أن يبدأ الاحتجاج ضدها". لكن مريم الفتاة البسيطة والرافضة للفساد تتوعده بأن الأيام بينهما طويلة وأنها لن تصمت.
 
‪المسرحية تقدم نماذج من الأشخاص الفاسدين والمتواطئين معهم‬  المسرحية تقدم نماذج من الأشخاص الفاسدين والمتواطئين معهم
‪المسرحية تقدم نماذج من الأشخاص الفاسدين والمتواطئين معهم‬  المسرحية تقدم نماذج من الأشخاص الفاسدين والمتواطئين معهم
وعي للجمهور
ورغم الاستفسار البسيط الذي تطرحه مقطوعات مغناة داخل المسرحية "يا سلطتنا نسأل مين عن الحرامية والفاسدين؟"، يؤكد مخرجها فتحي عبد الرحمن أن هذا العمل موجه أساسا للجمهور لا للسلطة في البلدان العربية.
 
ويقول "إن المسؤولين يعرفون ويطلعون على ملفات الفساد، ولكن المهم هو رفع الوعي المجتمعي تجاه هذه القضايا وضرورة رفضها والمطالبة بتحقيق العدالة".
 
ويضيف أن قضية الفساد في بلدان العالم الثالث موضوع حيوي ومهم وتتراكم كلما صارت الأنظمة أكثر تسلطا.
 
ويأتي عرض مسرحية "اسرق أقل رجاءً" في وقت لا تزال التقارير الدولية تتحدث عن الفساد في الأنظمة السياسية والاقتصادية بالبلدان العربية ومن بينها فلسطين. ويرى عبد الرحمن أن هذه المسرحية لا تخرج عن سياق وموجة الربيع العربي وثورات الشعوب التي هي في جوهرها مقاومة لفساد أنظمة الحكم وتحالفها مع رجال المال.
 
ويؤكد أن المناخ الاجتماعي والسياسي الذي يجعل المجتمع ذاته يتصرف بسلبية تجاه مظاهر سيئة ومكشوفة كقضايا الفساد يحتاج إلى جهد إعلامي وتربوي وثقافي كبير لحث أبناء هذا المجتمع على محاربة هذه الظواهر.
 
ويرى عبد الرحمن أن للفن والثقافة والمسرح تحديدا دورا طليعيا في استشراف مستقبل المجتمعات وسعيها لخيارات إنسانية أفضل بعكس الواقع المتواطئ مع السلطة الحاكمة أو الظواهر السيئة في المجتمع.
 
ولا تعد مسرحية "اسرق أقل رجاء"، التي كتبت قبل ثلاثين عاما، الأولى التي تقدم على مسرح فلسطيني لكاتبها داريو فو، فقد سبق أن قدم مسرحيون فلسطينيون مسرحية "موت فوضوي صدفة" للكاتب ذاته قبل ثماني سنوات، وكانت تحكي عن التعذيب الذي يمارسه رجال الأمن.
 
ومن المقرر أن تعرض المسرحية التي شارك فيها 13 ممثلا وممثلة، لعب الكثير منهم أكثر من دور، في مدن ومناطق فلسطينية عديدة قبل أن تنتقل لتعرض في دول عربية مختلفة.
المصدر : الجزيرة