الفنان العراقي فؤاد سالم وغبن الرحيل

المطرب الكبير فؤاد سالم في احدى حفلاته
undefined
 
لم يكن بيد الفنان العراقي الراحل فؤاد سالم أن "يودع عيون الحبايب" عاجزا مقعدا في أحد مستشفيات دمشق، بعيدا عن وطنه الذي طالما عشقه وغنى له. كسا الراحل بألحان الحب أديم العراق وخشبات مسارحه وفضاءات عشاق الفن الأصيل فيه، ليرحل غريبا ووحيدا ومنفيا.
 
ودعته عيون الكثيرين من "الحبايب" بدمعة حسرة عن حال مبدع كبير وفنان أصيل حفر صوته في الذاكرة العراقية الموشومة مؤخرا بغبار الحرب والنسيان، إذ يموت المبدع مصلوبا على أمل ألا يموت غريبا ميتة الشبح -كما يقول مظفر النواب- وهو الذي يعاني المرض خارج العراق أيضا.
 
كثيرون من طينة الكبار قبل سالم قضوا بعيدا عن الأهل والوطن، بينهم بدر شاكر السياب ومحمد مهدي الجواهري، وعبد الوهاب البياتي وبلند الحيدري وعبد الستار ناصر ورافع الناصري وغيرهم.
 
"فنان الشعب" الذي ولد بمحافظة البصرة عام 1945 أحد روّاد الأغنية العراقية في سبعينيات القرن الماضي رحل في منفاه بالعاصمة دمشق بعد أن عانى في السنتين الأخيرتين من مشاكل صحية أدّت إلى إصابته بتلف في أنسجة الدماغ مما أفقده القدرة على النطق والحركة، وقد اتسعت من حوله حلقة النكران والتجاهل والنسيان.
 
بصوته المنحاز إلى مدرسة ناظم الغزالي بدأ صاحب "حبينا ضي القمر" الغناء في العام 1963، قبل أن يحتضنه نادي الفنون بمدينته البصرة والمكون من مبدعين وشعراء عراقيين يساريين. وكانت أوبيريت (المسرحية الغنائية) "بيادر الخير" بداية طريق سالم إلى الشهرة قبل أن تكون "المطرقة" -أوبيريت أخرى- بداية لكل مشاكله اللاحقة التي أدت إلى هروبه إلى عدن باليمن الجنوبي -آنذاك- بعد فصله من معهد الفنون الجميلة بتهمة انتمائه للحزب الشيوعي.
 
في المدينة -التي كان يحكمها حزب شيوعي- أكمل الراحل دراسته ليعود لاحقا إلى العراق، ويتعرض لمضايقات متعددة ومنع من الغناء، مما أدى إلى هروبه عام 1982 إلى الكويت لينتقل بين بلدان خليجية عدة قبل أن يستقر أخيرا في دمشق.
 
وقبل أن تأخذه الغربة إلى الموت غنى فؤاد سالم للوطن الموجوع وللحب والحياة والحرية، حيث ذاع صيت أغانيه مثل "موبدينه نودع عيون الحبايب" و"ردتك تمر ضيف" و"حبينا ضي القمر" و"مشكورة" و"بعدك صغيرة"، و"على درب اليمرون"، و"عمي يا بيّاع الورد" و"أنا ياطير" التي غناها لاحقا أيضا اللبناني عاصي الحلاني.
 
بصوته العذب والرخيم وكلماته المنتقاة، قدم الراحل الكثير للفن العراقي والأغنية العراقية، وكان صوته ردا جماليا على كل ما هو قبيح، وفي زمن يجافي البهجة ويكرّس فصول مآسي الموت تتواصل تغريبة فناني العراق ليكون فؤاد سالم صوتا ومبدعا وإنسانا آخر من الراحلين بعيدا عن الوطن.
المصدر : الجزيرة