يحظى كل إصدار جديد للكاتب الجزائري ياسمينة خضرا (محمد مولسهول) باهتمام خاص في فرنسا نظرا لموهبته الكتابية والسردية النادرة. وتتجلى هذه الموهبة كاملة في روايته الأخيرة التي صدرت حديثا عن دار نشر “جوليار” الباريسية بعنوان “الملائكة تموت من جراحنا”.
رحلة علم
ولد سعد الله عام 1930 في قرية "قمار" في الجنوب الجزائري، والتحق بالمدرسة الدينية في مسقط رأسه فتلقى مبادئ الفقه واللغة، ثم انتسب إلى جامع الزيتونة في تونس ما بين عامي 1947 و1954 فاحتل المرتبة الثانية في دفعته، وهي الفترة التي ظهرت فيها ميوله إلى الصحافة.
وقاده شغفه بالمعرفة إلى الالتحاق بجامعة القاهرة التي تخرج منها عام 1962 بشهادة الماجستير في التاريخ والعلوم السياسية، ليكون في طليعة الطلبة الجزائريين الحاصلين على شهادة عليا خلال الشهور الأولى للاستقلال، وحصل على شهادة الدكتوراه في التاريخ الحديث والمعاصر باللغة الإنجليزية من جامعة مينسوتا الأميركية عام 1965.
مدرسة في التاريخ
وتميزت المرحلة التي التحق فيها سعد الله أستاذا بالجامعة الجزائرية، بنقص واضح في الإطارات الوطنية، بعد 13 عقدا من الاستعمار، وهو المعطى الذي جعل ظلال المدرسة الفرنسية في التاريخ تهيمن على نخبة المشتغلين بهذا العلم.
شرع سعد الله في إرساء أسس تعليمية ومعرفية جديدة تستند إلى المعرفة والحفر في الذات الجزائرية بكل أبعادها، بما في ذلك البعد الأمازيغي، متجنبا الأخطاء التي وقع فيها مؤرخو حزب الشعب المستندين إلى التاريخ القُطري برؤية أوروبية، والمؤرخون المنتمون إلى جمعية العلماء المسلمين الجزائريين المستندين إلى العروبة والإسلام برؤية قومية.
ولفتَ مشروعه الذي اشتغل فيه على تاريخ الجزائر الثقافي، وعلى تاريخ الحركة الوطنية التي أفضت إلى ثورة التحرير، إلى عمقه العلمي ورصانته المعرفية، مما أكسبه لقب شيخ المؤرخين الجزائريين.
وفجّر د. سعد الله عام 2008 نقاشا حادا في محاضرة وصف فيها الجزائريين بأنهم من الشعوب القليلة التي تتحدث عن التاريخ دون الوعي به "فهم يحكمون بسهولة بنضالية فلان وخيانة فلان، لذلك أخذوا يشككون في المعلومات ولو كانت موثقة. إنهم يريدون تاريخا على مزاجهم، يريدون الاستيلاء على التاريخ كما استولى بعضهم على الأراضي والشقق والممتلكات الأخرى بعد الاستقلال. فالتاريخ عند هؤلاء غنيمة يجب كسبها ولو بطرق غير مشروعة".
ومن المواقف التي استشهد بها على ما أسماها العقلية الجزائرية في التعاطي مع التاريخ، النظرة المتضاربة إلى الأمير عبد القادر الذي يعد مؤسسا للدولة الجزائرية الحديثة عند البعض، وانهزاميا أمام المستعمر الفرنسي عند البعض الآخر، متسائلا "لماذا تخلينا نحن عن الأمير، وتركناه وحده ينزف في الميدان؟".
أستاذ الأجيال
وبذل د. سعد الله جهودا واضحة في تحقيق بعض المخطوطات من التراث الجزائري، والتي تثبت أصالة هذا التراث، وأسبقية الجزائريين في التأسيس لفنون كثيرة عربيا منها الرواية، مثل مخطوطة "حكاية العشاق في الحب والاشتياق" التي كتبها الأمير مصطفى بن إبراهيم باشا المتوفى عام 1886.
وعبر كثير من المثقفين عن صدمتهم لرحيله في وقت تشتد فيه حاجة المشهد الثقافي الجزائري إليه وإلى أمثاله من العلماء الذين أخلصوا للكتابة والكتاب، ولم ينجروا وراء إغراءات المناصب السياسية التي لوثت الكثير من الوجوه.
ووصف الروائي أمين الزاوي الفقيد بالمثقف الذي حول الهامش إلى متن حقيقي "إنه المثقف الذي لم يبع ذمته لأي سلطان، وهو أكثر الأساتذة الجامعيين الذين أثروا في ثلاثة أجيال من تاريخ البلاد" معتبرا إياه مناضل الثقافة الجزائرية النظيفة.
واعتبر الروائي والباحث محمد ساري الراحل سعد الله الوحيد الذي اعتنى بالتاريخ الثقافي للجزائر، حيث كشف الغطاء عن أعلام الفكر والأدب والنقد الجزائريين، مبينا سيرهم والسياقات الاجتماعية والسياسية التي ظهروا فيها.
وأضاف صاحب رواية "الورم" للجزيرة نت أن الراحل "كان يشتغل في صمت، يتقصى أرشيف المكتبات، ليقدّم تاريخا موضوعيا، منتقدا المؤرخين الفرنسيين الذين أرادوا تقزيم وتصحير كل ما له علاقة بالحرف العربي في هذا البلد".