ظلال الزمن خطوة لبناء أرشيف فلسطيني

ظلال الزمن
undefined

وديع عواودة- حيفا

تحت عنوان "ظلال الزمن" صدر كتاب صور فوتوغرافية ضمن مشروع أرشفة وتوثيق فلسطيني خاص بالصورة وبالروايات الشفوية في منطقة وادي عارة، كمرحلة أولى قبل أن يشمل كافة مناطق أراضي 48.

يحتوي الكتاب الذي حرره أكاديمياً البروفسور مصطفى كبها والصادر عن صالة العرض للفنون في مدينة أم الفحم داخل أراضي 48 صور العشرات من الفلسطينيين.

والتقطت الصور في آخر خمس سنوات لمسنين فلسطينيين عاشوا قبل نكبة فلسطين عام 1948 إضافة لصور تاريخية توثق لسياقات تاريخية سابقة.

ويشمل المشروع التوثيقي صورا تاريخية أيضا جمعت من المؤسسات والأفراد، وفيها يكاد المشاهد المتمعن أن يصغي لحفيف القمح النامي في الحقول واستشعار النسائم الغربية القادمة من البحر نحو البيادر والبيارات في الأرياف الفلسطينية.

ذاكرة المكان
وبالنسبة للفنان سعيد أبو شقرة أحد المشرفين على مشروع الأرشيف الفلسطيني "ذاكرة المكان" فإن الهدف يتعدى التوثيق ليصل إلى محاولة لصيانة قصة عن الحياة والترحال وعن صراع البقاء والانتماء للماضي والأرض.

وجوه فلسطينية تم توثيقها ضمن الأرشيف الفوتوغرافي (الجزيرة نت)
وجوه فلسطينية تم توثيقها ضمن الأرشيف الفوتوغرافي (الجزيرة نت)

وردا على سؤال الجزيرة نت يشير أبو شقرة إلى أن الشيوخ الفلسطينيين في هذا المشروع يبدون وكأنهم يزودون الأجيال التالية بإرث الذاكرة البصرية المتمثلة بذاكرة البيت، الثياب التراثية، والوجوه.

كما في مشاريع أخرى يأتي هذا المشروع مدفوعا بقصة شخصية، كما يوضح أبو شقرة الذي استهوته روح شباب الشيوخ، هيبتهم وروح الصمود والبقاء في الوطن.

سحر الصورة
 وكمن وقع في حبهم يقول أبو شقرا إنهم فئة ممتعة ومنضبطة من الناس، يرتدون ثيابهم التراثية ويشعرون بمتعة بسبب الدراما من حولهم، ويطرحون الأسئلة الممازحة: هل أصبحت عجوزا لدرجة أنني استحق أن أوضع في متحف للتاريخ؟

وشارك ثلاثة مصورين في التوثيق الفوتوغرافي لكل منهم توجهه الفني، فالمصور عمار يونس يدأب على محاورة الشخصيات قبل وخلال وبعد تصويرها ويعمد لمناقشتها أحيانا حول جودة وجمالية الصورة.

أما المصور شاي ألوني فتمتاز صوره بالصرامة المهنية والتهيئة الحريصة على أدق التفاصيل، فيظهر الحاضر المزركش في صوره أكثر من تبيان عناصر الماضي.

وتأتي صور وجدان وخالد فاعور لتنطق بواقع عفوي لم يخطط له من قبل، ولم تبذل أي جهود لتزيينه أو زركشته، فتبدو الصور منسجمة تماما مع روايات أصحابها.

وفي روايته يستذكر الحاج مصطفى لطفي العوض(83 عاما) كيف طوّق الإنجليز مدرسة الزهراء في بلدته أم الفحم خلال ثورة 1936 وقتلوا أكثر من عشرين شابا.

ويذكر أسماء الضحايا وينوه أنه لم يكن ثائرا وقتها لصغر سنه لكن والده ساعد الثوار بقيادة قائم منطقة المرج يوسف أبو درة سرا، وكانت بينه وبينهم كلمة سر لفتح باب البيت.

وللنساء كلمة طبعا، ففي شهادتها تستعيد الحاجة باسمة شفيق قاسم (82 عاما) حياة أهالي الريف الفلسطيني بحلوها ومرها وتكشف أن والديها بادرا لبناء أول مدرسة في بلدتها أمن الفحم على نفقتهما لتحقيق حلمهما بتعليمها.

كبها: الرواية الشفوية مصدر هام لكتابة التاريخ الفلسطيني وتنمية الهوية الوطنية(الجزيرة نت)
كبها: الرواية الشفوية مصدر هام لكتابة التاريخ الفلسطيني وتنمية الهوية الوطنية(الجزيرة نت)

الرواية الشفوية
وبالنسبة لعدد متزايد من المؤرخين الجدد، فالوثائق المكتوبة ليست كتبا مقدسة والرواية الشفوية في حالات كثيرة لا تقل أهمية عنها كمصدر في كتابة التاريخ.

ومن هؤلاء المؤرخ بروفسور مصطفى كبها المختص بالتاريخ الفلسطيني الحديث الذي يرى أن الرواية الشفوية تعد مادة للتأريخ وانتصار المهمشين، ومعولا لبناء الذاكرة الجماعية والهوية الوطنية.

وفي الحالة المطروحة يعزو كبها أهمية بالغة للرواية الشفوية ومعالجتها طبق الأصول نظرا لعمليات تدمير الموروث الثقافي ونهب الوثائق والمكتبات خلال نكبة 1948، كما جاء في البحث الجديد للباحث الإسرائيلي د. غيش عميت حول نهب المكتبات الفلسطينية في النكبة.

ويرى بعض الكتاب الفلسطينيين ضرورة الانتظار ريثما يتشكل "البعد التاريخي"  كما يقول الكاتب علي الخليلي مقابل آخرين يخشون فقدان الذاكرة، ويدعون للتوثيق الفوري كما يرى المؤرخ عارف العارف.

بين هذه وتلك يوضح كبها أن الرواية التاريخية الفلسطينية لم تكتمل بعد وما تزال تقف أمام تحديات جسيمة، ولم يتم فيها بعد ترميم الخسارة الفادحة بالمصادر المكتوبة والوثائق.

المصدر : الجزيرة