طوق الحمامة.. قيمة أدبية تتحدى الزمن

صورة الغلاف - مجطوط طوق الحمامة
undefined

نصر الدين الدجبي-ليدن

رغم انقضاء قرابة ألفية كاملة عن كتابة مخطوط "طوق الحمامة بين الألفة والألاف" لابن حزم الأندلسي (توفي 456هـ/1064م)، فإن أهميته الأدبية والعلمية لا تزال تطفو على السطح، مما زاد من طباعة الكتاب وترجمته في الغرب.

وقالت أستاذة اللغة العربية بجامعة ليدن ريمكو كروك في تصريح للجزيرة نت إن طوق الحمامة يتميز بطرحه الجريء وأسلوبه في التناول، معتبرة أن تركيز ابن حزم على تجربته الخاصة والحالات التي عايشها بنفسه أو المقربين منه، أعطت قيمة أدبية عالية في نسق الأدب العربي.

رمزية
ويعد مخطوط طوق الحمامة الذي استقر منذ قرون في جامعة ليدن الاستشراقية بهولندا وطبع أكثر من ست طبعات وترجم إلى أغلب لغات أوروبا بما فيها الهولندية، طفرة في أدب العصر الوسيط في دراسة الحب وأبوابه، ولما اتسم به من تحليل وتصنيف لهذه الظاهرة، ولقدرته على سبر طبائع البشر وأغوارهم.

وتضيف كروك -التي ترجمت الكتاب إلى اللغة الهولندية- أن استعمال الطوق والحمامة في أدب الحب العربي متعارف عليه ويعبر عن بلاغة غاية في الرمزية والدلالة، مشيرة إلى أن ابن حزم استعمل الألفة والألاف كغاية في الدقة الأدبية، معتبرة أنه استعمل ألفاظا يصعب وجود نظيرها في اللغة الهولندية.

وأكدت أنه "لم تحصل في الطبعات المتلاحقة للكتاب تغييرات بصلب الموضوع"، وتابعت "لكن في أثناء النسخ اليدوي تم حذف بعض المدون اليدوي دون أن يمس هذا الحذف بمضمون النص الكامل لكاتبه ابن حزم".

وحول صعوبة ترجمة مثل هذه الكتب إلى اللغة الأجنبية، قالت كروك "لم أغيّر شيئا كبيرا في المضمون، ولكن حاولت تجاوز بعض الكلمات التي ليس لها مرادف في اللغة الهولندية بكلمات قريبة، حتى يسهل على القارئ متابعة التسلسل القصصي".

كما اضطرت المترجمة إلى حذف صيغ استطرادية "حتى لا يغرق القارئ في تتبع كلمات لا علاقة لها بصلب الموضوع ويصعب فهمها على القارئ العادي"، وأضافت أنها استعملت تواريخ إفرنجية توافق التواريخ الإسلامية التي يصعب على القارئ في الغرب متابعتها".

يذكر أن المخطوط احتوى ثلاثين بابا، عشرة منها في أصول الحب، و12 في أعراضه المحمودة والمذمومة، وستة في آفاته، وباب في قبحه، وآخر في فضل التعفف.

ضمير المذكر

‪صورة من صفحات داخلية للمخطوط‬ (الجزيرة)
‪صورة من صفحات داخلية للمخطوط‬ (الجزيرة)

واستبعدت كروك استعمال ابن حزم للمذكر كإشارة إلى العلاقة المثلية كما يدعي البعض، قائلة إن "ابن حزم استعمل ضمير المذكر للحديث عن الحب وليس بدواع ذكورية مثلية"، وأضافت أن "الحديث عن الحب في الأدب العربي يكون غالبا بصيغة المذكر، إلا إذا كان موجها لأنثى بعينها، ولذلك فلا علاقة لكتاب طوق الحمامة بالحب المثلي".

وحول ما شدها إلى ترجمة هذا الكتاب، قالت إن شعر ونثر ابن حزم ممتع خاصة ذلك الذي يروي فيه حياته الخاصة ويشرح أفكاره، مشيرة إلى أن الكتاب ينقل ثقافة العرب الموريسكيين في إسبانيا، وأن ما جاء في مقدمته دفعها إلى زيارة الأماكن التي كان يجلس فيها ابن حزم لتعايش حياته اليومية.

ويروي المستشرقون في جامعة ليدن أن مخطوط طوق الحمامة وصل نحو عام 1665 إلى مكتبة جامعة ليدن، وأنه قد يكون نسخة من أصل نُسِخَ سنة 1138 بسوريا، ولذلك فتلك هي النسخة الوحيدة الموجودة الآن.

وحول كيفية وصول هذه النسخة إلى جامعة ليدن، جاء في دليل مكتبة الجامعة أنه في منتصف القرن 17 اشترى السفير الهولندي المستشرق "فون وارنر" جملة مخطوطات عربية خلال فترة انتدابه سفيرا في الأستانة عاصمة الخلافة العثمانية، وكان من بين هذه المخطوطات "طوق الحمامة" الذي جلب إلى مكتبة جامعة ليدن بعد وفاة السفير.

وفي مطلع القرن الـ19 أصدر المستشرق الهولندي رينهارت أول طبعة لفهرس المخطوطات العربية في جامعة ليدن، تعَرّف العالم من خلالها على مخطوطة "طوق الحمامة". وفي عام 1914 نشر المستشرق الروسي الشاب د.ك. بتروف النص العربي لطوق الحمامة كاملا.

وتعد هذه الطبعة أصل الطبعات التي جاءت بعدها، حيث طبع الكتاب من جديد عام 1930 في مكتبة عرفة بدمشق، ثم صدرت الطبعة الثالثة عام 1949 بالجزائر، وفي عام 1950 طبعت النسخة الرابعة في القاهرة، ثم جاءت طبعة دار المعارف المصرية عام 1975.

المصدر : الجزيرة