"تزوير الكتب في السودان والناشر الشبح"

عبد العزيز بركة ساكن - في سوق الكتاب بالسودان يوجد ثلاثة أصناف من الكتب المزورة: الواردة من مصر، وشبيهتا القادمة من سوريا، وتلك المزورة محليا.
undefined

ينشط في أسواق الكتاب بالخرطوم ما أسميه بالناشر الشبح. وهو ناشر ليس له عنوان وليس له اسم إنما هو مجهول يغير موقعه باستمرار أو يقيم مؤقتا في حاوية بضاعة تجرها عربات في رفقته عدد من الفنيين المهرة الذين باستطاعتهم إعداد ما لا يقل عن عشرين كتابا في اليوم من الحجم الكبير المجلد مثل إصدارات الأستاذ منصور خالد أو النزعات المادية في الثقافة العربية الإسلامية للدكتور حسين مروة، أو مائة نسخة من الحجم الصغير مثل كتيبات "باولو كويلو", ودواوين محمود درويش, ومقالات رولان بارت في النقد.

كانت إشارة نائب رئيس اتحاد الناشرين المصريين المهندس عاصم شلبي في أن هنالك سوقين كبيرين للكتاب المزور في مصر، يوجدان بالسودان والسعودية، يبدو صحيحا جدا فيما يخص السودان على الأقل حيث يكاد ينحصر الكتاب المزور في السعودية على الكتاب الجامعي والعلمي.

المراقب لسوق الكتاب اليوم بالسودان الذي يسمى محليا "مفروش" وكثيرٍ من المكتبات الكبيرة، يلاحظ وجود ثلاثة أصناف من الكتب المزورة: تلك الواردة من مصر وهي أكثر إتقانا وأشبه بالأصل والأخرى، وشبيهتها الواردة من سوريا ثمَّ المزورة محلياً في منطقة السوق الشعبي بأم درمان أو السُوق العربي بالخرطوم، أو في أية حاوية متحركة في شوارع المدينة.

وهي رديئة الطباعة والأوراق وأرخص سعرا من المصرية والسورية المنشأ، وأفاد الأستاذ نور الهُدى سكرتير العلاقات الخارجية في اتحاد الناشرين السودانيين أنه بعد انخفاض قيمة الجنيه السوداني مقابل الدولار الأميركي في الآونة الأخيرة، توقف سيل الكتب الواردة من سوريا لارتفاع تكلفة الشحن، ولكن انتقل المزورون إلى العمل في السودان وأخذوا يدخلون تقنيات متقدمة في هذا الشأن.

يعرض الناشر الشبح الكتب التي عليها طلب كبير أو الممنوعة عن النشر, والروايات الأجنبية المقررة في المدارس والجامعات, ومواد أخرى عالية الأسعار بأقل من رُبع سعرها الفعلي، محققا بذلك أرباحا كبيرة تفوق ما يتحصل عليه الناشر الفعلي والكاتب والطابع وكل الذين في سلسلة صناعة الكتاب

ينشط الناشر الشبح في صناعة الكتب ذات الطلب العالي والممنوعة عن النشر, والروايات الأجنبية المقررة في المدارس والجامعات, وتلك ذات الأسعار العالية جدا، حيث يقوم بعرضها بأقل من رُبع سعرها الفعلي، محققا بذلك أرباحا كبيرة تفوق ما يتحصل عليه الناشر الفعلي والكاتب والطابع وكل الذين في سلسلة صناعة الكتاب.

فالناشر الشبح يأخذ نصيبهم جميعا ويحل محلهم كافة، فهو الناشر والطابع وفي كثير من الأحيان الكاتب نفسه، لأن بعض الإصدارات الجامعية يُعاد تزويرها بدون الإشارة لاسم المؤلف، ويفيد مسؤول كبير لا يرغب في ذكر اسمه أن مؤسسة علمية خاصة تقوم بطباعة كتب الطب الأجنبية النادرة محلياً دون إذن ناشريها أو مؤلفيها.

هنالك أيضا الناشر الشبح الإلكتروني، فبينما بلغت مبيعات الكتب الإلكترونية في أميركا 282.3 مليون دولار للربع الأول من العام الحالي، وهو رقم يزيد بأكثر من 28% عن نفس الفترة من العام الماضي، إلا أن الكتاب الإلكتروني في السودان غير ربحي ولا يُباع ويشترى، ولكنه يكبد الناشرين والكتاب خسائر فادحة، وله أغراضه الخاصة، فإما إنه معارض ويقوم بنشر الكتب الممنوعة التي بها أفكار مخالفة لما هو مسموح به رسميا ويصبح هدفه سياسيا واجتماعياً، أو أنه ينتمي للسلطات الحكومية ويقوم بنشر الإصدارات المعارضة بعد إفسادها وإقحام فقرات وصفحات تفسد الموضوع أو تسيء للعقيدة مما يدخل المؤلف في حرج.

وأحيانا كثيرة يكون الناشر الشبح الإلكتروني ليس أكثر من فاعل خير شرير شديد الضرر بحقوق الملكية الفكرية، حيث هدفه يتمثل في إشاعة المعرفة وتوصيل الكتب العلمية والثقافية والأدبية وتلك الدينية والدعوية وغيرها إلى القراء الفقراء والبعيدين عن مراكز البيع مجانا.

هنالك تطور حدث في هذا المجال، مثل اختراع القارئ الإلكتروني الذي سهل مَهَمَّة الإطلاع على الكتب المنزلة من الشبكة العنكبُوتية وحفظها وتداولها دون أية رقابة سوى الوازع الأخلاقي الذي قد يكون ضعيفا جدا عند البعض. ولعبت تقنية البلوتوث Bluetooth أيضا دورا كبيرا في نقل المواد الإبداعية في صورة ملفات سهلة القراءة والتداول مرارا وتكرارا.

أقرَّتْ إدارة التفتيش والرقابة بضعف آلياتها وأرجعت السبب إلى قلة التمويل ونقص أدوات الحركة واعترفت أنها لا تستطيع تغطية السوق بوضعها الراهن، وحملات التفتيش على قلتها غير متخصصة وينصب تركيزها على المواد الإباحية والعناوين الممنوعة أكثر من صناعة الكتاب والملكية الفكرية. في الحقيقة لا يوجد دور رقابي  ملحوظ على حماية حقوق الناشر والمؤلف في السودان, ويتم تفعيل قانون المصنفات الفنية والأدبية في الجوانب التي تحد من حرية الكاتب والكتابة لا غير، أما من ناحية الحقوق فيبدو التطبيق هزيلا ومتواطئا.

تختلف آراء ومواقف المثقفين السودانيين حول مسألة التزوير في المطبوعات. كثيرون ينظرون إليها من النواحي السلبية، ولكن هنالك آراء أخرى تقول غير ذلك. فمثلا يرى الفنان التشكيلي السوداني سيف اللعوتة في معرض حديثه  للجزيرة نت "نشر الكتب والفنون والمعارف عامة دون إذن أصحابها ليس مشكلة، فالمعرفة هي حق إنساني ويجب أن يكون مشاعا، وما يحدث الآن هو سلوك الطبيعة نحو التوازن وتحقيق مبدأ المشاركة".

يتصدر المصحف الشريف الكتب الأكثر تزويرا في السودان. وتضم هذه اللائحة كتب الفلسفة وخاصة كتب نيتشه ورولان بارت، وكتب الطب والهندسة العلمية، والقواميس اللغوية، ومناهج تعليم اللغة الإنجليزية المتقدمة

وقد أوجز بائع للكتب بمدينة بحري أسباب التزوير فيما يلي: ارتفاع سعر الكتاب، وعدم توفر الكتب المطلوبة من قبل القراء بالكميات الكافية، ومنع بعض الكتب من النشر، ليس بإمكان الطلاب شراء الكتب الجامعية في طبعاتها الأصلية، هامش الربح في الكتاب المزور أكبر من هامش الربح في غيره، نفاد الكميات من بعض الإصدارات في الأسواق.

على رأس قائمة الكتب الأكثر تزويرا في السودان المصحف الشريف، أعمال الدكتور منصور خالد -توجد الآن 700 نسخة منها قيد التحقيق ضُبطت بمعبر العبيدية في الحدود السودانية المصرية- وكتب الفلسفة وخاصة كتب نيتشه ورولان بارت، كتب الطب والهندسة العلمية، القواميس اللغوية، مناهج تعليم اللغة الإنجليزية المتقدمة وخاصة سلسلة Head way حيث أعلن الوكيل المحلي لناشر السلسلة Oxford إفلاسه وإغلاق منافذ بيعه جميعا بالخرطوم، بعد تكبده خسائر مالية فادحة، بعض الكتب المصادرة من قبل المصنفات الأدبية والفنية مثل كتاب الحركة الإسلامية للكاتب المحبوب عبد السلام، وهنالك أكثر من ثلاث طبعات مختلفة من رواية "الجنقو مسامير الأرض" لكاتب هذه السطور قام بإعدادها الناشر الشبح.

في رأينا أن المخرج من هذه الأزمة لا يتمثل في الرقابة اللصيقة والحملات الشَرطية فحسب، فالرقابة البوليسية الصارمة قد تكون ذات نتائج عكسية كما حدث في الصين الشعبية، حيث فرخت أكبر أربع دور نشر سرية لتزوير الكتاب في الصين وربما في العالم.

الحل الحقيقي يكمن في إفساح حرية النشر والطباعة، ودعم مدخل إنتاج الكتاب، ورفع الرقابة السياسية عن الكتب، وتنظيم أكثر من معرض للكتاب في العام مع توسيع مشاركة الناشرين العرب والعالميين في هذه المعارض، وإنشاء مكتبات عامة بالعاصمة والمدن للاطلاع والتسليف مجاناً، وتوفير الكتاب العلمي بالجامعات والمدارس.

الشيء الأهم هو أن يعي القارئ أنه باطلاعه أو شرائه لكتاب مزور، قد يساعد على عملية نصب واحتيال ويدعم أنشطة تقوم بتدمير صناعة الكتاب وإهدار حقوق أساسية، وفي حالة أنه تحصل على الكتاب مجانا من أية وسيلة إلكترونية كانت دون إذن صاحب حق النشر، فإنه في أغلب الأحيان يقوم بعملية سرقة منظمة يعاقب عليها الضمير والقانون معاً.

المصدر : الجزيرة