محمود المسعدي أيقونة السرد التونسي
أهم ما شكل عبقرية المسعدي أنه توقف عن الكتابة تقريبا في الأربعينيات، وإلى غاية وفاته عام 2004 لم يفقد مكانته الرائدة في المشهد الأدبي التونسي |
التكوين المزدوج
هذا التكوين العربي الإسلامي من جهة والفرنسي الغربي من جهة ثانية أعطى المسعدي خصوصية ظهرت في أعماله السردية المراوحة بين التأصيل والتحديث. ولم يكن المسعدي كاتبا منقطعا للأدب بل كان مثقفا متورطا في العمل السياسي، فقد كان أحد رجالات فترة ما بعد الاستقلال، حيث تقلد وزارتي التربية والثقافة، وأسس خلال هذه الفترة مجلتين معروفتين هما "الحياة الثقافية"، وهي التي ما زالت تصدر عن وزارة الثقافة، و"مباحث" التي انقطعت عن الصدور.
ولعل أهم ما شكل عبقرية المسعدي -كما يرى معظم النقاد- أنه توقف عن الكتابة تقريبا في الأربعينيات، وإلى غاية وفاته عام 2004 لم يفقد مكانته الرائدة في المشهد الأدبي التونسي. وما زال الكتّاب والمترجمون عربا وأجانب ينبهرون بنصوصه كلما وقعت بين أيديهم.
يبقى المسعدي نصا مغلقا على نفسه بانتظار قراءات تنسى ولو لمرة واحدة تلك العبارة الشهيرة "الوجودية أسلمت على يدي المسعدي" |
المسعدي في الذاكرة
واحتفاء بكاتب تونس الكبير أعادت وزارة الثقافة التونسية طباعة أعماله الكاملة هذا العام في نسخة منقحة ومزيدة أشرف عليها الدكتور محمود طرشونة، الذي قال للجزيرة نت إن هذه الطبعة اقتصرت على تحيين الببلوغرافيا كالإحالة على كل الدراسات والكتب والترجمات والرسائل الجامعية التي تناولت أدب محمود المسعدي بالدرس.
ومن ضمن الإضافات التي عرفتها الطبعة الثانية للأعمال الكاملة نشر نص مهم بعنوان "عبرة من التاريخ" كان المسعدي نشره في جريدة "لسان الشعب" في يوم ١٢ فبراير/شباط ١٩٣٠، وهو دون العشرين من عمره، ويعد أول نص نظري نشره، وكان موضوعه ضرورة توظيف التراث الأدبي في الكتابات الإبداعية، فإنه يعتبر بمثابة الميثاق الأدبي الذي سار عليه طيلة حياته الثقافية.
كما تم نشر نص آخر وهو عبارة على تحية وفاء إلى روح زوجته بمناسبة أربعينية وفاتها عام ١٩٩٠ وهو قد يفيد الدارسين الباحثين في علاقته بالمرأة عموما وبزوجته خصوصا. كما أُنجز فيلم وثائقي في ٥٣ دقيقة عن صاحب "السد" بعنوان "المسعدي ساحر الوجود" للمخرج التونسي مختار العجيمي يرصد حياة المسعدي من الميلاد إلى الرحيل، مستعينا بشهادات حول تجربته الحياتية والأدبية والسياسية قدمها عدد كبير من السياسيين والمثقفين العرب.
ولئن طغى الجانب التكريمي المدحي لحياة المسعدي الأدبية والثقافية والإنسانية فإن ذلك لم يحل دون حضور رأي آخر يتهم المسعدي بتوقيف التعليم الزيتوني ويحمله مسؤولية ذلك ويعتبره جناية في حق التعليم التونسي، عندما يقول: لن أسامح المسعدي، إنه انصاع لأوامر بورقيبة وأنهى التعليم الزيتوني". ومن ثم يلحقه صاحب الرأي بالعلمانيين وهذا ما يحاول الفيلم في وجه من وجوهه أن يفنده ويقدم المسعدي متمسكا بهويته العربية الإسلامية.
الندوات الفكرية التي نظمت لم تأت هي أيضا بجديد، ليبقى المسعدي نصا مغلقا على نفسه منتظرا قراءات مجنونة أخرى يصل جنونها حد فتح ملف الرديء في كتابات المسعدي أو اكتشاف مرجعيات أخرى غير المكررة دائما في بحوث تتوالد عادة من تلاميذ الأساتذة، قراءات تنسى ولو لمرة واحدة تلك العبارة الشهيرة "الوجودية أسلمت على يدي المسعدي".