المسرح البلدي.. صرح ثقافي ومعماري بتونس
ويؤكد الأستاذ الجامعي والمسرحي محمد المديوني أن "المقالات الصادرة في أواخر القرن 19، تبين هذا الأمر" مشيرا إلى أن الحجة المقدمة لبناء المسرح البلدي كانت لاستقطاب السياح، وتمكين المقيمين كذلك من أن يكون لهم موسم مسرحي.
استقطاب السياح
وذكر المديوني -الذي كان العميد السابق للمعهد العالي للفن المسرحي- للجزيرة نت أن المهندس الفرنسي جون إميل رسبلوندي الذي صمم المسرح، أشرف كذلك على تصميم معالم بارزة بالعاصمة كبلدية تونس وقصر العدالة ومستشفى شارل نيكول، وقد دعا عددا من الفنانين لإتمام الرسم والنحت.
واعتبر المديوني أن المسرح البلدي بتونس يعد من المسارح النادرة، وقطعة أثرية قيّمة، وأنه كان يحمل كل متطلبات المسارح الحديثة وقتها.
من جهته يشير أستاذ التعليم العالي والباحث في التاريخ والمسرح محمد مسعود إدريس إلى أن المسرح خضع للتغيير ثلاث مرات، إذ تم التغير نسبيا في الهندسة التي كانت فيه وأضيفت له مقاعد أخرى، كما حذفت منه خلفية كانت مخصصة لقمار الخيول.
المكان الرمز
وبين كل من الميدوني وإدريس أن هندسة المسرح كانت على الشكل الإيطالي، إذ يرى المديوني أن "المسرح يكتسب قيمته من صبغة المعمارية في ذاتها التي تحمل خصائص الهندسة الفنية غير الوظيفية، وهو ما يحيل على عدد المسارح الإيطالية".
ولم يكن المسرح البلدي مجرد قطعة معمارية فنية، بل مثل كذلك فرصة للتعبير ولتكوين الفرق المسرحية التونسية، وأيضا لبث الوعي السياسي خلال فترة الاستعمار، وفقا لإدريس، الذي لفت إلى أنه لم يكن حكرا على الجالية الفرنسية فترة الاستعمار، بل كان التونسيون كذلك يشاهدون عددا من العروض خاصة العربية منها.
ويقول المديوني إن المسرح البلدي استقبل أكبر الفنانين في ذلك الوقت، وقد جمع عددا من اللقاءات السياسية والأدبية والفكرية.
واتفق محدثا الجزيرة نت على أن مكان المسرح البلدي يحمل دلالات عديدة، حيث يقول إدريس إن المسرح له مكان إستراتيجي يتوسط أهم شارع في العاصمة، مشيرا إلى أن لهذا المكان دلالات أخرى بعد الثورة التونسية.
وأضاف أن المسرح في الأساس مكان للتعبير، وأن الشعب تذكر هذا المكان بعد سنوات من الصمت ليعبر فيه عن آرائه في قضايا مختلفة.
ويتفق الميدوني مع إدريس في هذه النقطة، معتبرا أن اتخاذ المسرح البلدي مجانا لانطلاق المسيرات أو الوقفات الاحتجاجية أو التضامنية له دلالات، مذكرا بالوقفة السلمية التي نظمها الفنانون والمسرحيون يوم 11 يناير/ كانون الثاني 2011 لمساندة الحركات الاحتجاجية التي كانت تعيشها البلاد آنذاك.
غير أن المتحدث ذاته رأى أن البعض يتخذ من المسرح مكانا للتعبير عن رأيه دون معرفة دلالته ومعانية وأبعاده، ودون إدراك للقيم الجمالية فيه، مشيرا إلى أن تطور المجتمعات يقاس بطريقة تعاملهم مع الفن.