شارع الرسامين ببغداد يفقد ألق ألوانه
ويصف الفنان التشكيلي نائب رئيس جمعية الفنانين التشكيليين في العراق قاسم السبتي الشارع باعتباره أحد رموز بغداد الجميلة، وقد كان في فترة ازدهار العراق منتصف السبعينيات من القرن الماضي من أهم الشوارع التي ترتادها العائلة العراقية, لاقتناء أعمال فنية تشكيلية بسيطة لرسامين عراقيين شباب نهضوا بهذا الشارع.
شارع الرسامين، كما يؤكد السبتي كان يموج بالحركة، خصوصا من الزوار الأجانب وطواقم السفارات الذين كانوا يهتمون باقتناء الأعمال الفنية، لكن وضع السوق بدأ في التدهور خاصة بعد الاحتلال الأميركي، حيث تراجعت حركة البيع والشراء بشكل كبير.
وعن دور نقابة الفنانين التشكيلين في دعم وإحياء هذا الشارع، يقول السبتي "ليس هناك أي دور لنقابة الفنانين، لأن المشروع يحتاج أن تتدخل الدولة بإمكانياتها المادية، وتخصص مبالغ بسيطة لهؤلاء الفنانين لكي يعتاشوا منها، مع حاجة الشارع للعناية بسبب الإهمال الذي طاله طيلة السنوات الماضية".
مقصد الفنانين
في ريعان الصبا كان الفنان التشكيلي مهند داود الساعدي يرتاد هذا الشارع، ومنه تفتح وعيه مبكرا على الألوان والضوء والظلال عبر اللوحات الكثيرة في الشارع الممتد. ويقول إن شارع الرسامين بدأ بسيطا ثم ما لبث أن أصبح من معالم بغداد. ويضيف للجزيرة نت "كنت صغيرا أزور غاليري جدي أبو علي النجار، وهو من أوائل من افتتح غاليري في هذا الشارع، وكان يعج بالزوار، وكنت ترى عشرات الأجانب يتجولون في السوق لشراء اللوحات الفنية".
كما يؤكد الساعدي أن هذا الشارع كان يحفل بعشرات الفنانين التشكيليين العرب، الذين كانوا يأتون للعمل فيه، ومنهم الفنان السوداني السيد رابح، والمصريون شيمي وعلي غالب والياقوتي والسيد محروس ومحمد شهاب وغيرهم.
الفنان التشكيلي الشاب مصطفى العبيدي كان أيضا في طريقه إلى المدرسة وفي أوبته منها يسرح طويلا أمام اللوحات المعروضة في شارع الرسامين ليتشكل وعيه الفني مبكرا. ويقول للجزيرة نت "منذ ذلك الوقت أصبح لدي ولع بالرسم، لكن الظروف التي مر بها العراق من العام 2003 حتى الآن أوجدت لدي حالة من الإحباط، فالشارع الذي كان يفيض بالزوار أصبح خاويا ومهملا، ومع أعمال الحفريات وغلق الشارع أحيانا بسبب طفح مياه المجاري تراجع عدد مرتاديه.
ويشير العبيدي إلى أن هذا الشارع تخرج فيه العديد من الفنانين العراقيين، الذين وصلوا إلى مصاف الرسامين العالميين، بينهم الفنان مزاحم الناصري المقيم حاليا في قطر ولديه غاليري في سوق واقف، وحسن هادي، الذي لم يدرس الفن في أي معهد أو أكاديمية لكن تعلمه بالفطرة وكان لشارع الرسامين فضل كبير في تنمية مواهبه.
صمود رغم المتغيرات
ورغم الحالة التي أصبح عليها سوق الرسامين وفقدان جانب كبير من بريقه لتغير الأوضاع في العراق والحالة الأمنية غير المستقرة وصعوبة الاهتمام باللوحة في غياب رغيف الخبز، يصر بعض العارضين وأصحاب الغاليريات على تحدي كل ذلك.
ويقول كمال محيي، وهو صاحب غاليري في شارع الرسامين، للجزيرة نت "ما زلنا نعمل في شارع الرسامين، أملا بأن يأتي اليوم الذي يعود فيه إلى سابق عهده حافلا بالزوار العراقيين والأجانب، ورغم الظروف التي نمر بها قررنا عدم ترك الشارع واللجوء إلى مهنة أخرى لتعلقنا به".
ويناشد محيي الحكومة والبرلمان العراقي الاهتمام بشارع الرسامين كونه أصبح من معالم بغداد الهامة، وتوفير البنى التحتية له، ومساعدة الفنانين التشكيليين ورعايتهم ليتمكنوا من الاستمرار في عملهم، والحد من هجرتهم إلى خارج العراق.