مهرجان فاس يحتفي بتراث عمر الخيام

تلاقح الفن والدين في مهرجان الموسيقى العريقة بفاس
undefined
نزار الفراوي-الرباط
 
تحت شعار "تجليات الكون"، يتجدد في المغرب الموعد السنوي لمهرجان فاس للموسيقى العريقة في دورته الثامنة عشرة، محتفيا بذكرى الشاعر عمر الخيام كرمز صوفي كبير يحضر أثره بقوة في ظل احتدام إيقاع الحضارة الإنسانية في بعدها المادي الأحادي.
 
ووفق ما أعلنه المنظمون، من المقرر أن تنظم الدورة في الفترة من 8 إلى 16 يونيو/حزيران  المقبل بحفل افتتاحي فريد من نوعه، يستحضر التراث الروحي والصوفي لعمر الخيام -شاعر القرن الحادي عشر الهجري- عبر أوبريت متعددة الجنسيات يخرجها الفرنسي توني غاتليف، وتقترح عرضا مشهديا لسيرة هذا الرمز الحي لقيم المحبة والتسامح، والذي يحظى باعتراف وإجماع مختلف الحضارات الإنسانية. 

وقال فوزي الصقلي مدير المهرجان الذي بات ذائع الصيت ويستضيف أسماء عالمية في مجال الغناء الروحي وموسيقى الشعوب، إن اختيار عمر الخيام عنوانا لهذه الدورة بالطابع المميز لشخصية الخيام كرجل جمع بين المعرفة العلمية التي تصنع حركة تقدم الحضارة الإنسانية الراهنة من جهة، وبين الإلهام الشعري الروحي، ذلك العنصر المفتقد في هذه الدينامية الجنونية. 

القيم الروحية

‪‬ فوزي الصقلي: الاحتفالية الخاصة بالخيام ستكون عملا كوني الطابع(الجزيرة)
‪‬ فوزي الصقلي: الاحتفالية الخاصة بالخيام ستكون عملا كوني الطابع(الجزيرة)

ويقول الصقلي -وهو دكتور في الإنثروبولوجيا- للجزيرة نت إن استعادة تراث الخيام تذكر الإنسانية بالحاجة إلى تجاوز النزعة المادية الأحادية التي تقوم عليها الرؤى السائدة في محافل صنع القرار السياسي والاقتصادي، والتي أدت إلى اختزال حاجيات الذات البشرية في عناصر أولية ملموسة على حساب ضرورة التغذية الروحية والإنسانية للكائن في محيطه الاجتماعي والبيئي.

وأوضح أن الاحتفالية الخاصة بعمر الخيام ستكون عملا كوني الطابع من خلال الأوبريت التي يشارك فيها فنانون من الشرق والغرب، من أذربيدجان ومصر والمغرب وإيطاليا وغيرها، يلتئمون ضمن عمل ضخم يقدم سيرة موسيقية وشعرية ومشهدية لتراث الخيام، أحد أشهر شخصيات التراث الصوفي الإسلامي، والعالم المشهود له في مجالات الفلك والرياضيات.

ويتوقف العرض أساسا عند علاقته مع حسن الصباح زعيم فرقة "الحشاشين" السرية، ونظام الملك الوزير الشهير في عهد ملكشاه، تلك العلاقة التي تكشف أصالة وكونية الرؤية التي شكلها الخيام للوجود ولأنماط العلاقات الإنسانية وجدلية العقل والروح.

وعن شعار الدورة الـ18، يقول المنظمون "إن تجليات الكون تعني استشفاف إمكانيات ربط صلات جديدة بالعالم الذي لم يعد فيه مكان للحتمية وسيادة الأمر الواقع٬ وتعني أيضا رأب الصدع الذي تشهده مجتمعاتنا من أجل استرداد مكانة الإنسان والثقافة والقيم الروحية"، وهي تعاليم -يضيف الصقلي- "يمكن استخلاصها من عمر الخيام الشاعر والعالم والفيلسوف المرهف الروح الذي تحظى أعماله براهنية خاصة".

الصقلي:
استعادة تراث عمر الخيام تذكر الإنسانية بالحاجة إلى تجاوز النزعة المادية الأحادية التي تقوم عليها الرؤى السائدة في محافل صنع القرار السياسي والاقتصادي

روح للعولمة
وفضلا عن احتفالية عمر الخيام، تحتضن الفضاءات التاريخية لمدينة فاس العريقة عروضا موسيقية مثيرة، من بينها الحفل الختامي الذي تحييه جوان بايز أحد رموز الغناء الشعبي الأميركي، والتي عرفت خلال سبعينيات القرن الماضي بمعارضتها لحرب فيتنام ودفاعها عن قيم الحرية والمساواة.

كما تعرف الدورة مشاركة الفنان التونسي لطفي بوشناق واللبناني وديع الصافي والمصري الشيخ ياسين التهامي، إضافة إلى مجموعات غجرية من شرق أوروبا، وهندية وباكستانية وإيرانية.

ويستحضر مهرجان فاس الأسطورة الشعرية المجيدة التي خلفها الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش عبر عرض بعنوان "نشيد الأناشيد" من إبداع الفنان الفرنسي رودولف بورغر، في تجربة تكرس الطابع الكوني للتراث الأدبي الشعري الذي أبدعه الراحل.

وفي الجانب الفكري المصاحب لفقرات المهرجان، تتواصل تجربة منتدى فاس الذي يرفع سنويا شعار "روح للعولمة"، بتنظيم ندوات وجلسات حوار مكثفة حول القضايا الراهنة في العلاقات الدولية، من قبيل "الشاعر والمدينة"٬ و"بعد الربيع العربي.. أي مستقبل؟"٬ و"أزمة مالية أم أزمة حضارة؟"، ثم "المقاولة والقيم الروحية".

المصدر : الجزيرة