محمد فلاق يعرض "صدمات حضارية صغيرة"

الممثل محمد فلاق في مسرحية "صدمات حضارية صغيرة"
undefined

بوعلام رمضاني-باريس

في عرضه الجديد الذي يعرف إقبالا كبيرا بمسرح الروبوان بباريس، يؤكد  المسرحي محمد فلاق أن الفكاهة وسيلة فنية توعوية وتنفيسية ناجعة أكثر من أي وقت مضى بحكم حاجة الإنسان إليها في زمن عمت فيه المآسي والشجون وتعاظم التطرف والصدام الحضاريان في العالمين الغربي والشرقي على السواء.

الممثل الجزائري الأصل الذي أضيف إلى قائمة أشهر ممثلي مسرح "الوان مان شو" عرض الممثل الواحد، والموزع بين ثقافتي البلد الأصلي والبلد الأوروبي الذي يأويه، راهن منذ البداية على التنديد بالتطرف والأفكار المسبقة والتخويف الأيديولوجي في حلة كوميدية سوداء تمزج بين السخرية والعبثية والشاعرية والسريالية، معتمدا على الضمير الجمعي والذاكرة الشخصية والمعاينة المنتظمة للظواهربمختلف أصنافها.

فلاق ناقش في مسرحيته الكثير من المواضيع المتعلقة بأوضاع المهاجرين في أوروبا (الجزيرة)
فلاق ناقش في مسرحيته الكثير من المواضيع المتعلقة بأوضاع المهاجرين في أوروبا (الجزيرة)

دعوة للحوار
وخلافا لفكرة الصدام الحضاري الأوروبي العربي المطلق، يعتقد فلاق في عرضه "صدمات حضارية صغيرة"، أن اعتبار أكلة الكسكسي كأفضل طبق لدى الفرنسيين، كما جاء في استطلاع حديث حقيقة عاطفية وثقافية شعبية تفند زعم المتطرفين أن العيش المشترك بين العرب والأوروبيين غير ممكن، وتكشف عن حب فرنسي غير معلن للمهاجرين المغاربيين الذين أصبحوا سلعة سياسية في المزاد الأيديولوجي العلني خلال الأعوام الأخيرة.

وانطلاقا من نتيجة الاستطلاع المذكور، يحول فلاق تعليم فن طهو هذه الأكلة الشعبية الرائجة في بلاد المغرب العربي إلى دعوة لتجاوز النزعات الشوفينية والصراعات الحضارية المختلقة والأفكار المسبقة والأمراض الاجتماعية المشتركة، ويبحر أثناء إعداد الوجبة المغاربية الشهيرة عبر شتى أصناف الظواهر السلبية اللصيقة بالفرنسيين والعرب على السواء.

وتطرق فلاق في عمله المسرحي إلى مسألة المتاجرة النفسية والسياسية بالتخويف من "إسلام إرهابي" كصورة نمطية مكررة على حساب مسلمين مسالمين ومبدعين في كل المجالات، وتصوير المهاجرين كلصوص يسرقون لقمة العيش الفرنسية وغزاة حضاريين يفرضون اللحم الحلال والسلوك الديني المتطرف.

قضى فلاق ساعة ونصف الساعة من عرضه المسرحي يطهو الكسكسي، مازجا بين خضار متعددة الألوان والأشكال والروائح والتوابل، في إشارة رمزية إلى إمكانية العيش المشترك بين الأجناس والخروج "بنتيجة غذائية وحضارية" عربية تستميل مشاعر أوروبيين يراد لهم الوقوع في فخ أفكار مسبقة تخدم معارك انتخابية نخبوية.

وشملت سخرية فلاق الناقدة والشفافة ما يراه المتاجرة بالقدر أو المكتوب في كل الأحوال، بدل تحمل مسؤولية الفعل وقبول الآخر المختلف والتنديد بالخطاب الماضوي المستهلك على حساب واقع سياسي بائس، وعدم الخلط بين صراع النخب السياسية على امتداد الضفتين المتوسطتين وبين شعوبها التي يجمعها التاريخ واللغة الفرنسية والجوار.

استطاع فلاق أن يتجاوز مستوى التمثيل الهزلي الخالص القائم على الكلمة أساسا بتعميقه التعبير الجسدي والإيمائي وإشراكه الجمهور بعض "لدغاته النقدية" وتنقله الوظيفي على الخشبة

جهد وتنوع
وخلافا لعروض سابقة بذل فلاق هذه المرة جهدا مسرحيا أكثر تنوعا على صعيد الأداء والإخراج مستعينا برفيقته في الحياة ومخرجة العرض الممثلة الفرنسية ماريان دوبان التي تتلمذت على يد الكوميدية الشهيرة فرنسيز.

كما استطاع أن يتجاوز مستوى التمثيل الهزلي الخالص القائم على الكلمة أساسا بتعميقه التعبير الجسدي والإيمائي وإشراكه الجمهور بعض "لدغاته النقدية" وتنقله الوظيفي على الخشبة بطريقة مدروسة تضمن شاعرية حركية تبدأ بالكلمة الساخرة وتنتهي بالأداء الجسدي المشرع على أكثر من حركة تشمل كل الحواس والأعضاء.

ولد فلاق عام 1950 في بلاد القبائل وتخرج من معهد الفنون الدرامية ببرج الكيفان الواقعة شرق العاصمة الجزائرية، كلف بإدارة مسرح بجاية الجهوي عام 1985 قبل أن يشد الرحال إلى تونس ثم إلى باريس عام 1994.

من أعماله نذكر "مغامرات تشوب" 1987 و"باخرة أستراليا" 1991 و"ديليريوم" 1994 و"جوراسيك بارك" 1995 و"الجمل الأخير" 2004 إضافة إلى "موقد الأحلام البربرية" و"كان في الجزائر" و"شارع المرجان الصغير". ومثل أيضا في عدة أفلام سينمائية ونال عدة جوائز.

ويقول خصوم فلاق من الفنانين الجزائريين والمهاجرين الذين يتناولهم في أعماله كمتطرفين إنه يمثل مكسبا فنيا فرنسيا، في حين يؤكد معجبوه أنه ممثل المجتمع الجزائري المريض سياسيا واجتماعيا ومناهض كل أشكال الشطط الديني والأيديولوجي.

المصدر : الجزيرة