"ضريبة هوليود".. العرب والنجاح المشروط

غلاف كتاب ضريبة هوليود

غلاف كتاب ضريبة هوليود

عندما نتحدث عن هوليود، فالأمر لا يتعلق فقط بإحدى ضواحي لوس أنجلوس ولا حتى بمركز صناعة السينما والإعلام في أميركا، فهي عاصمة لصناعة الرأي والتأثير على الشعوب في العالم كله، لذا فليس مستغربا القول بأن النجاح في هوليود أشبه بمهمة مستحيلة كما يقول الأميركيون، وهو أكثر استحالة عندما يكون طموحا لشخص عربي أو مسلم، مما يعني أن ثمة ضريبة يجب أن تدفع قبل الولوج عبر بوابة هوليود إلى العالم كله.

يستهل المؤلف أحمد دعدوش كتابه "ضريبة هوليود" بسرد للعلاقة "غير الموفقة" بين هوليود والمشرق الإسلامي، بدءا من تكريس أساطير الشرق المليء بالسحر والجان والجواري في السينما الأميركية، مرورا بملوك النفط المتخمين والحاقدين على اليهود بالفطرة، ووصولا إلى الصورة النمطية للإرهابيين الحاقدين على الحضارة الإنسانية بأسرها.

ويستعرض في هذه المراحل حجم التنازلات التي يقدمها كل من ينتمي للعروبة والإسلام ضريبة لنجاحه في هوليود.

تجربة المخرج مصطفى العقاد كانت استثناء بكل تفاصيلها، مما اضطره إلى دفع ضريبة من نوع آخر، إذ اضطر إلى تمويل أفلامه بنفسه ليضمن عدم التدخل

تنازلات من البداية
ويرصد الكاتب تجربة الأميركيين من أصول عربية ومسلمة ممن حققوا نجاحا كبيرا في السينما وشاشات التلفزة الأميركية، بدءا من الكوميدي لبناني الأصل داني توماس ووصولا إلى حاصدي جوائز الأوسكار مثل مصمم الديكور إميل كوري والمنتج رونالد شويري والمخرج والكاتب وليام بلاطي والممثل ف. موراي أبراهام، مشيرا إلى أن الطموح للنجاح كان الدافع الأبرز لدى غالبيتهم دون الالتفات إلى قضايا وطنية أو سياسية، قياسا إلى ما كان يحرص عليه زملاؤهم اليهود على سبيل المثال.

والأمر نفسه يكاد ينطبق على جيل آخر هاجر من الشرق إلى هوليود، فمن خلال استعراضه لتجربة عمر الشريف وسيد بدرية وممثلين مغاربة نجحوا في السينما الفرنسية، يستنتج المؤلف أن النجاح كان حليفا في أغلب الأحيان للممثل العربي الذي يستهل مسيرته بتمثيل الأدوار ذات الصور النمطية المسيئة للعربي والمسلم، ومع أن هذا التساهل كان مبررا لدى البعض لتثبيت أقدامهم على سلم الشهرة أصبح ملاصقا لمسيرة آخرين طيلة عقود.

والأمر نفسه ينطبق على الكتاب والمخرجين والمنتجين، ولعل تجربة مصطفى العقاد كانت استثناء بكل تفاصيلها، مما اضطره إلى دفع ضريبة من نوع آخر، إذ اضطر إلى تمويل أفلامه بنفسه ليضمن عدم التدخل، كما لم يجد في البداية مكانا لعرض أفلامه حتى اضطر لشراء صالة ليعرضها بنفسه.

لم تعد المشاركة في تنميط الصورة المسيئة للعربي المسلم تهمة مشينة كما كان الأمر قبل عقود إبان حقبة المد القومي، خصوصا مع تشابك مواقف السلطات وصناع القرار في المنطقة نفسها من الإرهاب ومتعلقاته

الحلقة المفرغة
وقبل أن يفرد المؤلف فصولا مستقلة لتحليل عدد من الأفلام الصادرة في السنوات الأخيرة وتتناول قضايا الإرهاب والمقاومة، يشير إلى أن الصورة النمطية للإرهابي المسلم باتت حلقة مفرغة يصعب الفكاك منها منذ بدء الصراع العربي- الصهيوني في منتصف القرن العشرين، ثم أصبحت أكثر تعقيدا بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001.

ومع هذا التاريخ المفصلي، انطلقت موجة من الأفلام التي تناقش تداعيات الصراع في أفغانستان والعراق، وحتى في الغرب نفسه، وهو ما فتح الباب واسعا أمام جيل آخر من العرب الطامحين إلى الشهرة، حيث لم تعد المشاركة في تنميط الصورة المسيئة للعربي المسلم تهمة مشينة كما كان الأمر قبل عقود إبان حقبة المد القومي، خصوصا مع تشابك مواقف السلطات وصناع القرار في المنطقة نفسها من الإرهاب ومتعلقاته.

ورغم إشادة الكتاب بمحاولات جادة لكسر الحلقة المفرغة من قبل أفراد ومؤسسات ينشطون في هوليود، فإنها لا تعدو كونها تجارب فردية غير فاعلة حتى الآن، وقد يبدو الأمر محبطا بالفعل مع انتقال هوليود نفسها إلى الشرق لتصوير أفلامها المسيئة في دول عربية وبفرق عمل محلية، مما يدفع المؤلف إلى عقد مقارنة ساخرة بين تنازلات العرب ومكاسب اليهود والسود واللاتينيين في هوليود على مدى قرن من الزمن هو عمر الصناعة السينمائية.

وإذا كانت التجربة العربية في هوليود قد فشلت، حسب استنتاج المؤلف من تصريحات لنجوم عرب بدؤوا بالهجرة العكسية، فإنه لم يختم الكتاب دون ترك فسحة للأمل مع ارتقاء الذوق العام للمشاهد الغربي، الذي لم يعد يستسيغ تسطيح "الحرب على الإرهاب" بالطريقة الفجة التي درجت عليها العادة، ومستشهدا بأمثلة لأفلام بدأت مؤخرا بالتغريد خارج السرب.

المصدر : الجزيرة