"الغوريلا" مهد لإسقاط بن علي

غلاف كتاب الغوريلا

محمد الأصفر

صدرت مؤخرا عن دار الساقي ببيروت الرواية الثانية للروائي التونسي كمال الرياحي، وتدور أحداثها حول الواقع الذي أفرز ثورة 14 يناير بتونس، وينهيها الكاتب في خضم الأحداث، وسبق للرياحي أن أصدر عدة كتب نقدية ورواية "المشرط" التي نالت استحسان الوسط الثقافي.

ويستهل الرياحي روايته باقتباسات بينها عبارة الكاتب الفرنسي جان جينيه الشهيرة "كلما كبر ذنبي في عيونكم صارت حريتي أكبر" وعبارة لأحد "الفتوات" المعروفين في تونس علي شورّب تقول "أنا الحاكم مانستعرفش بيه" أي إنه لا يعترف بالسلطة القائمة، بالعامية التونسية.

الروائي التونسي كمال الرياحي (الجزيرة نت)
الروائي التونسي كمال الرياحي (الجزيرة نت)

عار الدكتاتورية
وترصد الرواية عار الدكتاتورية التي يعيش الكاتب في زمانها مختارا لها كخلفية مكانية شارع الحبيب بورقيبة الشهير في وسط العاصمة من خلال بدايته بتمثال الرئيس السابق بورقيبة، ثم برج ساعة 7 نوفمبر عام 1987 -تاريخ انقلاب زين العابدين بن علي على الحبيب بورقيبة- وانتهاء بتمثال عالم الاجتماع العربي الشهير عبد الرحمن بن خلدون، رابطا من خلال هذه الدلالة المكانية بين الحياة السياسة والجماعات التي تمارسها وتتلظى بنارها.

صالح أو الغوريلا، الشخصية الرئيسية في الرواية، الرجل الأسود والمهمش ونزيل الإصلاحيات والسجون، هو في الأصل لقيط من أطفال بورقيبة (الأطفال اللقطاء كما كان يطلق عليهم في تونس)، ولقب كذلك لبراعته في حراسة المرمى في لعبة كرة القدم، يحتج على الحياة والتاريخ، ويحتج على واقعه باعتباره عاملا في شركة يحرس ممتلكات أثرياء المجتمع من اللصوص والسماسرة، قبل أن يصبح حارسا لقبر الزعيم بورقيبة نفسه.

ويحتج الغوريلا -وقد جمع في شخصيته كل ملامح البطل التراجيدي- على الزمن، فيصعد برج ساعة 7 نوفمبر الشهير في تونس ويتعلق في عقارب ساعته في غفلة من البوليس والمخابرات، حيث إن هذا البرج من رموز عهد بن علي ومن الأماكن المحروسة -مثله مثل وزارة الداخلية القريبة منه- حراسة مشددة طيلة 24 ساعة.

وعندما يصل الغوريلا إلى عقارب الساعة ويحاول تغيير التاريخ، فتقوم قيامة البلاد، لقد مس عصب السلطة ورمزها ويأتي الجنرال بن علي بنفسه راكضا من خلال شخصية علي كلاب -ضابط الشرطة الفاسد المعروف بتاريخه الأسود في قضايا التعذيب- ويوبخ الحراس ويصفعهم ويبدأ في معالجة الأمر عسكريا وبوليسيا حيث إن هذا البرج إن خرج عن السيطرة سقطت دولته التي سرقها في غفلة من الزمن.

ولا يريد الغوريلا أن يترك عقارب الساعة تبقى كما هي معبرة عن الظلم والظلام والتسلط، ويحاول أن يقدمها إلى المستقبل أو أن يؤخرها إلى عصر أبيه الرمزى -الحبيب بورقيبة- على الأقل ليفوت الفرصة على "جنرال الظلام" وعائلته الفاسدة المزيد من امتصاص دم الشعب. 

غلاف كتاب المشرط للروائي كمال الرياحي (الجزيرة نت)
غلاف كتاب المشرط للروائي كمال الرياحي (الجزيرة نت)

حكايات الثورة
ومن خلال الرواية يبدو الحبيب بورقيبة، وقد انتفض في مدفنه هو الآخر وأرسل إلى من سرق السلطة منه غوريلا من أبنائه لترتقي زمنه وتعبث بعقاربه وتحطمها لتجعله هاربا مخلوعا من دون زمن أو تاريخ.

من أعلى البرج -حيث يتمسك الغوريلا- ينطلق الروائي بلغة مشهدية سينمائية في سرد حكايات شخصياته وقضاياها، التي هي مشاكل مجتمع وصناعة نظام مستبد، واختار بالطبع أن تكون كلها مأزومة وغير سوية، بينها "الجط" المهاجر التونسي عبر مراكب الهجرة غير الشرعية الذي يستقر في إيطاليا ويدخل السجن هناك ويسرد حكايات من سجنه هناك.

بعد أن يصاب الغوريلا بصعقة كهربائية من تنفيذ الضابط علي كلاب قوية يسقط محترقا، وهنا تتحرك الجماهير من تحت البرج، وتهجم على الشرطة التي ترد عليها بالرصاص الحي وتبدأ عملية تمرّد بمظاهرة يحمل فيها الغوريلا المحترق على الأكتاف وتندلع الثورة في كل الشوارع.

وبذلك تكون الرواية قد تناولت الثورة التونسية بصورة غير تقريرية، حيث حكت في البداية عن تجلياتها دون أن تذكرها إلا من خلال الفصل الأخير الذي عنوانه 14 جانفي (يناير) 2011 والذي تقول فيه زوجة الكاتب اذهب إلى القرية واكتب ما تهذي به وأنت نائم. رسائلك للجنرال بن علي لا ينبغي أن تظل بواسطة الغوريلا، لا تقهر حتى أنت الغوريلا وتشغله ساعي بريد. اتركه بطلا يطلق عليه الجنرال الرصاص ليسقط مضرجا وبطلا كمحمد البوعزيزي.

المصدر : الجزيرة