إرنستو كاردينال.. حلم الثورة الدائم

الشاعر النيكاراغوي غرنستو كاردينال

الشاعر النيكاراغوي إرنستو كاردينال (الجزيرة نت)

غدير أبو سنينة-ماناغوا

رغم عمره الذي ناهز السادسة والثمانين ما زال الشاعر النيكاراغوي الشهير إرنستو كاردينال يحلم بالثورات ويناضل ضد الجشع والفساد والاستغلال، تلك هي المبادئ التي كرس لها حياته وإبداعه وميزت شخصيته الدينية والأدبية والسياسية وجعلته أيقونة شعرية في أميركا اللاتينية.

ويعتبر كاردينال "أكبر شاعر باللغة الإسبانية" في النصف الثاني من القرن العشرين، وله العديد من الأعمال المترجمة إلى أكثر من عشرين لغة التي يبرز فيها "الشعر الذي بقي دائما في خدمة الناس متلمسا الحب كشأن عالمي". وقد رشحته الأكاديمية النيكاراغوية لجائزة نوبل للآداب لعام 2007.

إرنستو كاردينال يلقي إحدى قصائده(الجزيرة نت)
إرنستو كاردينال يلقي إحدى قصائده(الجزيرة نت)

مناهضة الدكتاتورية
وجسّد القس القديم والمتصوف كاردينال الثّورة في كثيرٍ من أعماله -كما هو حال الكثير من الكُتّاب النيكاراغويين- ويصف تلك المرحلة بأجمل أيام حياته، وقد امتزجت تجربته الدينية -بوصفها قسا- والسياسية في معارضة حكم الدكتاتور سوموزا وقيادته لما عرف "بلاهوت الثورة" وامتلاكه ناصية الإبداع لتفرز شعرا ثوريا مناضلا منحازا للبسطاء والمستضعفين.

ومن القصائد الّتي عرّى فيها عقليّة الدكتاتور اللامبالي بمصير شعبه قصيدة "الساعة صفر" التي يقول فيها:
في كثيرٍ من الأحيان
وبينما ينفث أوبيكو سيجارته يقول:
"ليمت ذلك الرجل"
يتجمّد أوبيكو في قصره
مثل كعكةٍ ورديّة
وفي الخارج
تُفَرِّقُ قنابل الفوسفور شعبه.

وفي قصيدةٍ أخرى يقول:
أتراها رائحة الحب؟ لكن هذا الحب لا يخصك
فحب الوطن من حب الدكتاتور- الدكتاتور السمين،
بملابسه الرياضية وقبعته الكابوية
فهو من أَحَبَّ الأرض فسرقها وامتلكها.
وبقي فيها مُحَنّطاً
بينما أوصلك حُبّك أنتَ إلى المنفى.

لم تكن توجهات أورتيغا لترضي أحلام كاردينال بوطن حرّ عادل إذ أعلن معارضته الكاملة لمنهاج حكم أورتيغا الذي يخطو نحو الدكتاتوريّة

قضايا إنسانية
وتحفل قصائد كاردينال بمفردات لها صبغة لاهوتيّة، فهو يبحث دوما في قصائده عن معنى الحب الإلهي، وقد تمكّن من دمج الفن بسهولة وانسياب باللاهوت في كثير من أشعاره، ويُعد ديوان "صلاة من أجل مارلين مونرو" من أشهر دواوينه حيث يُعَرّي فيه الرأسمالية، وفي القصيدة الّتي تحمل العنوان ذاته يقول:

إلهي..
تقبّل هذه السّيّدة المعروفة باسم مارلين مونرو في كل بقاع الأرض
على الرغم من أنّ هذا ليس اسمها
(أنت وحدك من يعرف اسمها الحقيقي، اسم اليتيمة المُغتصبة في سن التاسعة، وخادمة المتجر الصّغيرة ذات الستة عشر ربيعاً حيث أرادوا قتلها)
ها هي الآن بين يديك
دون مكياج
دون وكلاء
أو صحفيين أو تواقيع للذكرى
فقط كرائدةِ فضاء في ليلك الفسيح.

ويتّهم كاردينال في القصيدة الطّويلة الرأسمالية الأميركية بأنّها السبب في تجريد الإنسان من آدميته، تماما كما حدث مع مونرو الّتي يعتبر تجريدها من اسمها الحقيقي انتزاعاً لكرامتها، كما ينتقد الاستخدام التجاري لجسدها الّذي استخدم كسلعة، ويصف كيف أننا لم نعرف سوى الجانب الزائف من هذه الشخصيّة بسبب الرأسماليّة الجشعة بينما ستذهب روحها الحقيقية مجردة إلى الله.

وقد برز اهتمام كاردينال بالقضايا الإنسانية في عدة جوانب، إذ أوجد مصطلح كنيسة الفقراء الّذي نأى به عن الطبقية الإكليريكيّة الموجودة في كثير من كنائس العالم ومنها الفاتيكان، وذهب إلى الجانب التطبيقي لكل أقواله إذ ساهم في تطوير جزيرة سولنتنامي (إحدى جزر بحيرة نيكاراغوا الكبرى) حيث يقيم منذ ما يزيد على نصف القرن، وتعهّد بتدريس أبنائها القراءة والكتابة وعلوم اللاهوت كما يؤمن بها. 
 

جسّد القس القديم والمتصوف كاردينال الثّورة في كثير من أعماله، كما هو حال الكثير من الكتّاب النيكاراغويين

أحلام الثّورة تتبدّد
ساند كاردينال الثورة الساندينية، التي شارك في حكومتها في منصب وزير الثقافة حتى عام 1987، إلا أنه ترك الجبهة الساندينية في عام 1994 بعد انتقاد سلوك الرئيس الحالي لنيكارغوا دانييل أورتيغا.

ولم تكن توجهات أورتيغا لترضي أحلام كاردينال بوطن حرّ عادل، إذ أعلن معارضته الكاملة لمنهاجه في الحكم الّذي يخطو نحو الدكتاتوريّة، مما أثار حفيظة الأخير فضيّق عليه الخناق بتلفيق تهمة له وإجباره على الإقامة الجبرية في منزله.

يذكر أن الشّاعر كاردينال ولد عام 1925 في مدينة غراناذا بنيكاراغوا، وأنهى دراسته الثانوية في مدرسة اليسوعيين، وحصل على بكالوريوس في الفلسفة والآداب من الجامعة القومية المكسيكيّة المستقلة، كما أنهى دراسته في الأدب الأميركي عام 1948 من جامعة كولومبيا في نيويورك.

المصدر : الجزيرة