غرافيتي عربية.. رسائل وأسئلة

كتاب: جرافيتي عربية

غلاف  كتاب "غرافيتي عربية"

طارق عبد الواحد-ديترويت

قد لا يبدو الغرافيتي -الرسم على الجدران- فنا جديرا بالاهتمام والمتابعة في المشهدين الثقافي والفني في العالم العربي على غزارة الرسائل السياسية والاجتماعية التي يتبناها وينصصها، لكن مثل هذه الإشكالية تقسم الغربيين أيضا بين منتصر له كشكل من أشكال الفن، ومتأنف منه كممارسة "تخريبية" مخالفة للقوانين التي تمنع الكتابة على الجدران.

لكن كتاب "غرافيتي عربية" الصادر باللغة الإنجليزية عن دار "من هنا إلى الشهرة" الألمانية للطبّاعة اللبنانية باسكال زغبي وفنان الغرافيتي الألماني دون كارل، يقدم نماذج غرافيتية عربية من بيروت وغزة وطهران وباريس ولندن ومونتريال كأعمال فنية تعكس معاناة الشعوب وآلامها، وتختزن في الوقت نفسه أسئلة عن الهوية والتجربة الفردية لفنّاني الغرافيتي.

إن الخط العربي هو الولد المحافظ بسبب ثقل التقاليد والخبرات عبر آلاف السنين.. أما الغرافيتي فهو متحرر من التقاليد ولكنه ليس بلا قواعد

تجارب عربية
ووفق دارالنشر، فإن الكتاب يأتي "في ضوء الثورات العربية التي تجلب تغييرات شاملة في الشرق الأوسط، ويراقب التطورات المدهشة للغرافيتي والفنون المدنية الأخرى في المنطقة". وهي تقترحه "كمرجع قيم وواسع يعرض لاستخدامات التخطيط والكتابة العربية في سياقات مدنية معاصرة".

ويتضمن الكتاب تشكيلة واسعة من صور فنون الشارع تتراوح بين الكتابات على الشاحنات في لبنان، والتخطيطات على جدران الأزقة في البحرين، والرسوم في فلسطين، واللوحات في المدن الغربية.. تلك التي تستخدم الخط العربي كفضاء تشكيلي أو حامل مضموني.

كما يحتوي مقالات لكتّاب متميزين وخبراء بصريين يستكشفون "العناصر التقليدية والمقاربات الحداثية، واستجلاء الخلفيات السياسية والاجتماعية والحضارية التي ميزت الحركات الفنية في مجال الغرافيتي في الشرق الأوسط".

ويعرض لتجارب فناني وخطاطي الغرافيتي أمثال: وهيست 1، وجوليان بروتون المعروف بكلام، والأطلس، وبويا باقري المعروف بسير 4، وجوناس بورنا المعروف بصن 7، وسادو، وأستاذ كانا المعروف بعسكر، ومنصور عبادي حافظ المعروف بزيفا، ولايت غراف، وبلوزات، وآيروسول عربي.

يتضمن الكتاب مروحة واسعة من صور فنون الشارع في مدن عربية وغربية.. تلك التي تستخدم الخط العربي كفضاء تشكيلي أو حامل مضموني

فروق فنية
ويكشف الخطاط حسن مسعودي في الكتاب عن الفروق الفنية بين فن الخط والغرافيتي العربيين، ويرى أنهما "ولدان من نفس الأبوين ولكنهما عاشا حياتيهما بشكل منفصل ومستقل، إنهما بشكل أساسي يدوران حول استعمال حروف الأبجدية ومركز جاذبيتهما هو جمال الكتابة حيث الحروف ليست مجرد أشكال بل تشكيلات مشحونة بالعواطف".

ويضيف "إن الخط العربي هو الولد المحافظ بسبب ثقل التقاليد والخبرات عبر آلاف السنين (..) أما الغرافيتي فهو متحرر من التقاليد ولكنه ليس بلا قواعد".

من ناحيتها تعرض باسكال زغبي لتطور أساليب الجرافيتي ومضامينها في مدينة بيروت حيث تتغير التعبيرات والشعارات والرسوم بين فترتي الحرب الأهلية التي شهدها لبنان، ومرحلة إعادة إعمار العاصمة بيروت التي حملت جدرانها الموشومة تمايزا ملحوظا بين تخطيطات وشعارات الجنود السوريين وعناصر الفصائل الفلسطينية ومناصري الأحزاب اللبنانية.

وأشارت إلى كيفية تغيرأشكال ومضامين خطاطي الغرافيتي لاحقا، بشكل ينبئ عن التحولات السياسية والاجتماعية التي مرت بها المدينة، وأشكال المزاج العام لدى سكانها.

رغم أن الغرافيتي قد يعتبر في معظم الأحيان عملا تخريبيا هدفه تشويه المكان العام، فإنه يعتبر أيضا أحد أشكال الفن الحديث، وطريقة للدعاية

الخط كفن تشكيلي
منحت إمكانية كتابة الحروف العربية بشكل متصل الخط العربي قابلية لتوليد أشكال هندسية عبر آليات "المد والرجع والاستدارة والتزوية والتشابك والتداخل" وهو ما "مكّن الخطاطين العرب من إنتاج أنواع متعددة من الخطوط كالكوفي والثلث والرقعة والفارسي وغيرها" كما يقول محمد المسعودي.

كما أن قابلية الخط العربي للتشكيل ومرونته في استثمار العلاقة بين الحرف والفراغ مكنهم من إنتاج أعمال فنية تكاد تقارب الفن التشكيلي نفسه، لكن صرامة القواعد حالت طوال قرون دون تقديم تجارب تقوم على المغامرة والابتكار والتجريب.

وحتى الآن مايزال البعض ينظر إلى "الغرافيتي" على أنه تشويه لفن الخط العربي ولكن لا يستطيع أحد الإنكار أنه أكثر تأثيراً، وفي هذا السياق كتب مسعودي "إن فن الخط يلعب دورا اجتماعيا وسياسيا، كما أن الخطاطين مقبولون ومحترمون في المجتمع، أما خطاطو الغرافيتي فهم يخالفون القانون عندما يكتبون على الجدران، ولكنهم أكثر تأثيرا". 

ورغم أن الغرافيتي قد يراه البعض عملا تخريبيا هدفه تشويه المكان العام فإنه يعتبر أيضا أحد أشكال الفن الحديث، وطريقة للدعاية، ويمكن مشاهدته في صالات العرض العالمية، وهو يستخدم لإيصال رسائل سياسية واجتماعية.

المصدر : الجزيرة