سينما جنين.. عقود من الأزمات

سينما جنين عمرها اكثر من نصف قرن ولم يحل ذلك دون الاغقات المتكررة لها او حتى تقديم الدعم الكافي- الجزيرة نت5

سينما جنين عمرها أكثر من نصف قرن (الجزيرة نت)

عاطف دغلس-نابلس

لم يشفع أكثر من نصف قرن من عمر سينما جنين شمالي الضفة الغربية لاحتواء أزماتها وتجاوزها، فبقيت تعاني من الإغلاق المتكرر، وقلة العروض السينمائية المقدمة، واقتصرت عروضها في معظم الفترات على أنشطة ثقافية مختلفة.

فعندما فتحت سينما جنين أبوابها عام 1958 بمبادرة أطلقها رجال أعمال من المدينة، كانت تعرض أفلاما سينمائية أجنبية وعربية، من أضخم مدن الإنتاج العالمي مثل هوليوود وغيرها.

شادي بلشة مدير العروض والبرامج في سينما جنين (الجزيرة نت)
شادي بلشة مدير العروض والبرامج في سينما جنين (الجزيرة نت)

واقع متغير
إلا أن هذا الحال -كما يقول شادي بلشة، مدير العروض والبرامج في السينما- توقف مطلع عام 1987، بداية الانتفاضة الأولى، فقد عايش الناس واقع القتل والرعب الذي كانوا يشاهدونه في السينما، على أيدي جيش الاحتلال الإسرائيلي.

وظل الحال هكذا حتى مطلع تسعينيات القرن الماضي، حيث أعيد افتتاحها ثانية، ولكن هذه المرة لم يكن حظ العروض السينمائية من أفلام وغيرها كبيرا، بل اقتصر على نشاطات ثقافية ومهرجانات تراثية ورياضية، واستخدمت كقاعة للمناسبات أكثر منها سينما.

وأضاف بلشة للجزيرة نت أن ذلك الوضع استمر حتى العام 2000، انطلاق الانتفاضة الثانية "الأقصى"، حيث أغلقت أبواها وصارت مزارا للحمائم والطيور.

وفي العام 2008، أعادت مؤسسات ألمانية ترميمها، عبر المخرج الألماني ماركوس فيتر، الذي أنتج أفلاما وثائقيا عن فلسطين، وكان منها قصة الفتى أحمد الخطيب الذي قتله جنود الاحتلال بمخيم جنين، فتبرع والده بأعضائه لمستشفى داخل الأراضي المحتلة عام 1948، فاستفاد منها عرب ويهود.

وشهدت العروض السينمائية انطلاقة جديدة في يوليو/تموز 2009، وفقا لبلشة إلا أنها ما لبثت أن واجهت اعتداءات متكررة على أيدي "جماعات دينية"، استمرت أوائل أبريل/نيسان الماضي، حيث قتل المخرج الفلسطيني جوليانو خميس مدير مسرح الحرية بالمدينة، وتعرضت مؤسسات ثقافية كثيرة فيها للتهديد والتحذير.

كما ألقت تلك الجماعات زجاجات حارقة، وبيانات تهديد للعاملين في السينما أو حتى من يرتادها، واتهمتهم بنشر الفساد والتطبيع مع الاحتلال، خاصة وأن من كان يدير المسرح هم الألمان.


الدكتور لميع الأسير مدير سينما جنين (الجزيرة نت)
الدكتور لميع الأسير مدير سينما جنين (الجزيرة نت)

اهتمام منقوص
ويقول  مدير السينما الدكتور لميع الأسير إن عمل السينما "شُلّ" عقب اغتيال جوليانو خميس، كما شكلت الأزمة المالية للسينما وديونها المتراكمة، عقبة أمام استئناف عملها بصورته الطبيعية.

واستدعى ذلك إدارة جديدة للسينما يترأسها لميع، إثر مغادرة الألمان للمدينة عقب اغتيال جوليانو، والبحث عن سبل ومقومات صمود أخرى للسينما، أهمها عرض نشاطات ثقافية مختلفة، دون الاقتصار على العرض السينمائي.

ولم يخف لميع الأسير الاتهامات التي كيلت للسينما ببعدها عن دورها الوطني، والتطبيع وانتشار الفساد، "فالألمان هم الذين كانوا يديرونها، وبالطبع لهم علاقات باليهود".

وتسعى سينما جنين لإعادة فرض ذاتها، كما يقول، رغم غياب الدعم المالي الرسمي والمحلي بالشكل المطلوب، عبر تفعيل مزيد من الأنشطة "وإعادة الدور السينمائي لها".

إلا أن عزت أبو الرب مدير الثقافة في جنين، أكد أنهم قدموا مساعدات مادية وغيرها للسينما، وعملوا على إحيائها مجددا، عبر إطلاق نشاطات وفعاليات تراثية وثقافية، كان آخرها إطلاق مهرجان صيف جنين الثقافي ومهرجان مرج ابن عامر التراثي، خلال الشهر الجاري، إضافة لأعمال ترميم وبناء فيها.

وقال أبو الرب للجزيرة نت إن سينما جنين تعد كقصر للثقافة بالمدينة، يصلح لجميع أعمال الثقافة، ولا تقتصر عروضها على أفلام السينما.

أعمال ترميم في قاعة السينما عقب سنوات من الاغلاق خلال الانتفاضيتين (الجزيرة نت)
أعمال ترميم في قاعة السينما عقب سنوات من الاغلاق خلال الانتفاضيتين (الجزيرة نت)

ثقافة سينمائية
ويرى الناقد الفني الفلسطيني سعيد أبو معلا أن وزارة الثقافة تفتقر لمشروع ثقافي، كما تفتقر لمشروع سينمائي أيضا، سواء من ناحية الإنتاج والتمويل أو جلب أفلام سينمائية تهم  الجمهور الفلسطيني، أو من ناحية التوثيق لمجمل المنجز الفني السينمائي الفلسطيني، "وهو ما يشهد به افتقار وجود ثقافة سينمائية".

وقال للجزيرة نت إن المؤسسات الثقافية والفنية الفلسطينية تفتقر بشكل عام للدعم الكافي من الجهات الرسمية، "ومن غير المجدي التعويل على ذلك".

يذكر أن سينما جنين التي انطلقت قبل 53 عاما بدعم من رجال أعمال ومثقفين بالمدينة، تتكون من طابقين منفصلين للنساء وللرجال، إضافة لسينما "صيفية" خارج المبنى الرئيسي، يتسع لأكثر من ثمانمائة شخص.

المصدر : الجزيرة