جدل حول جوائز الدولة في مصر

المجلس الأعلى للثقافة في مصر الذي يسند جوائز الدولة التقديرية والتشجيعية في مجال الفكر والثقافة،

بدر محمد بدر-القاهرة

أثارت نتائج جوائز الدولة التقديرية والتشجيعية لهذا العام جدلا كبيرا وساخنا في الأوساط الثقافية والأدبية والعلمية في مصر، وطالب البعض بتغيير آلية التصويت على منح الجوائز، واستبعاد الجانب الرسمي والسياسي تماما، بينما نادى آخرون بتكوين لجان علمية متخصصة لضمان الحياد والشفافية.

ويرى أستاذ النقد الأدبي الحديث بجامعة عين شمس حسام عقل أن نبض الثورة المصرية لم يصل بعد بالقوة المطلوبة إلى كثير من القطاعات والمنابر، وعلى رأسها المجلس الأعلى للثقافة، الذي يصر على إعادة إنتاج الوجوه والأطر والفكر القديم، وظلت عمليات التصويت والتوجيه التي تسبق الترشيح والاختيار كما كانت من قبل.

حسام عقل: دعا إلى أن يمثل المجلس الأعلى للثقافة كافة الأطياف السياسية
حسام عقل: دعا إلى أن يمثل المجلس الأعلى للثقافة كافة الأطياف السياسية

نبض الثورة
وأشار عقل -وهو عضو لجنة القصة بالمجلس الأعلى للثقافة- في حديثه للجزيرة نت إلى أن الجائزة الوحيدة التي تحظى بسمعة طيبة هي "الجائزة التشجيعية"، نظرا لأنها تخضع لفكرة التحكيم العلمي وقراءة الكتب المقدمة بأناة، أما الجوائز الأخرى فيدخل فيها عنصر جمع الأصوات، وهو ما يمثل تجاوزا للمعايير العلمية المستهدفة.

ودعا عقل إلى خضوع المجلس الأعلى للثقافة في تكوينه إلى نوع من الحياد، بحيث يمثل مختلف الأطياف والتيارات الموجودة بالساحة، ولا يكون حكرا على تيار بعينه، لافتا إلى أن 90% من تكوين المجلس ينتمي للتيار اليساري، ويجب ألا ينفرد اتجاه واحد بتحريك الأمور.

وأكد أن الخطأ لا يبدأ من التحكيم، وإنما من تكوين اللجان نفسها، حيث تعتمد ما يشبه التعيين والاختيار القائم على الصدفة، ومن هنا فقد "نادينا بأن يكون اختيار اللجان خاضعا للانتخاب بصورة أقرب للحياد والعدالة والمراعاة للأوزان النسبية للرموز والشخصيات الذين يمثلون اللجان".

ولفت عقل إلى أن مقرر اللجنة يختاره الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، وهذا المقرر يختار اللجنة كلها، واللجنة تتأثر بمن اختارها في التصويت، فنجد فعليا أن وزارة الثقافة هي التي تختار الجميع، ولذا تتحرك المنظومة الثقافية بمنطق الولاءات، ولذا نجد عمليات التصويت ظلمت أسماء كثيرة رشحت بالفعل.

إبراهيم عبد المجيد طالب بتقليص عدد أعضاء لجنة منح الجوائز
إبراهيم عبد المجيد طالب بتقليص عدد أعضاء لجنة منح الجوائز

تغيير اللجان
ومن جهته دعا الروائي إبراهيم عبد المجيد إلى عدم مشاركة أي موظف رسمي في لجنة منح الجوائز باستثناء رئيس المجلس الأعلى للثقافة فقط، وأكد أن الأسوأ في اللجنة هو وجود شخصيات بحكم موقعها السياسي، مثل رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، ورئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون وغيرهم.

وطالب في حديثه للجزيرة نت بتقليص عدد أعضاء اللجنة، بحيث تشترط لعضويتها نخبة ممن سبق أن فازوا بجوائز الدولة ومشهود لهم بالنزاهة، كما طالب بتعديل القانون بحيث يتغير أعضاء اللجان كل سنتين أو نصفهم على الأقل، بما يضمن استقلالية وقوة القرار ونزاهة الاختيار فكريا وعلميا وثقافيا.

وفي السياق ذاته أشار الدكتور جابر عصفور إلى العيوب في نظام التصويت على منح الجوائز، وطالب بمواجهتها مواجهة حاسمة، واعترف بأنه حاول إصلاحها عندما كان أمينا للمجلس الأعلى للثقافة، لكنه لم ينجح بسبب عوائق لا تزال موجودة، يرجع بعضها إلى تشكيل المجلس الأعلى نفسه، وبعضها إلى نظام التصويت، وبعضها إلى جهات الترشيح، وبعضها الأخير يرجع إلى الضغط الخارجي، خصوصا من أصحاب المصالح والساعين إلى الفوز والتدخلات السياسية سابقا.

وانتقد عصفور ما وصفها بـ"المجاملات اللعينة والتربيطات التي تتم قبل عملية التصويت"، ودعا إلى وضع قواعد جديدة للترشيح والتصويت ونظام العضوية.

طه القرني: المحسوبية سمة غالبة على جوائز الدولة
طه القرني: المحسوبية سمة غالبة على جوائز الدولة

محسوبية ومعايير
بدوره يرى الفنان التشكيلي طه القرني أن جوائز الدولة تخضع للجنة التي يتم اختيارها رسميا، وبالطبع اللجنة معلومة وعلنية للمرشحين، وكونها معروفة يتم للأسف الضغط عليها بالملاحقة والود والاستعطاف، ولذا فالمحسوبيات هي سمة قرينة بهذه الجوائز.

وأشار في حديثه للجزيرة نت إلى أن هذه اللجان ليست متخصصة لكنها تقيم متخصصين، فنجد مثلا أن أديبا يحكم على فنان تشكيلي أو عالم سياسة والعكس، والنتيجة أن الفائز هو الأكثر شهرة، وهذا يخل بمبدأ العدالة والإبداع.

من ناحيته يرى أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة هاشم عبد الراضي أن هذه الجوائز تخضع منذ زمن بعيد لمعايير سياسية أكثر من المعايير الموضوعية عند التقييم، ومن ثم فإن المرشحين من قبل مؤسساتهم هم من الذين يحظون بالرضى والقبول أكثر من كونهم شخصيات بارزة في تخصصاتهم، ومن ثم فإنهم يتجاهلون من هم أكثر استحقاقا، ويتم استبعادهم لاعتبارات غير عادلة.

وطالب بفصل جوائز ولجان الإبداع الحر عن الإنتاج الفكري العلمي الأكاديمي، مع زيادة عدد الجوائز، وتخصيص لجان علمية لكل جائزة، فلتكن جوائز الشعر والأدب والصحافة والرواية بلجان مستقلة، وأخرى للعلوم الاجتماعية والإنسانية كعلم النفس والاجتماع والترجمة وغيرها.

الروائي فؤاد قنديل: أقترح تكوين لجان متخصصة لمنح الجوائز
الروائي فؤاد قنديل: أقترح تكوين لجان متخصصة لمنح الجوائز

اختيارات مرضية
وفي المقابل يرى الروائي والأديب فؤاد قنديل، وهو أحد الفائزين بجوائز الدولة لهذا العام، أن معظم النتائج مرضية للكثيرين وأن نسبة حسن الاختيار فيها جيدة، وإن كان أسلوب الاختيار لا يزال في حاجة إلى تعديل يشمل مواد القانون المنظم نفسه، بما يعدل آلية التصويت ذاتها، فاللجنة المصوتة وعدد أعضائها 60 تقريبا، نصفهم ليس من حقهم التصويت، كما أنهم يصوتون هم أنفسهم على كل التخصصات، والمفروض أن كل مجال يصوت ويختار أبناءه.

واقترح قنديل في حديثه للجزيرة نت تقسيم اللجنة إلى لجان نوعية، أعضاؤها من نفس تخصص المرشحين لها، بما يضمن دقة وحسن وسرعة الاختيار من ذوي الاختصاص، وكذلك عدم مشاركة ممثلي الوزارات، لأنهم يتأثرون بعلاقاتهم الإيجابية والسلبية مع المرشحين.

كما طالب بعودة اللجنة العلمية التي كانت تقرأ الأعمال أولا، وتعد قائمة بدرجات المتقدمين وتسلم النتيجة إلى اللجنة العليا، ودعا إلى زيادة عدد جوائز التفوق لتصبح ستة في كل فرع، لأن مصر عامرة بالمبدعين المظلومين الذين يستحقون  التقدير الأدبي والمادي، حسب قوله.

المصدر : الجزيرة