فيليب سولير.. ألوان الرومانسية الجديدة

فيليب سولير، مجدّد الرواية

الروائي الفرنسي فيليب سولير (الجزيرة نت)

سعيد خطيبي-باريس

في روايته "كنز الحبّ" (غاليمار – 2011) يبحث مجدّد الرواية الفرنسية، فيليب سولير عن لغة خطاب جديدة، ويحاول الخروج من قوالب السرد الكلاسيكية حيث تتعرج منحنيات السرد وفق مستويات مختلفة وتحكي قصة حب عادية استطاع المؤلف أن يجعل منها تجربة إنسانية استثنائية.

"كلمتي كنز وحب ينتميان إلى قاموس العشق ينطق بهما البشر مليارات المرات في اليوم الواحد، وبكل اللّغات.." هكذا يكتب فيليب سولير الذي يحوّل الكلمتين المذكورتين إلى نص روائي يغوص في البحث عن مشاعر غائبة، عن حياة مبهمة، عن حبّ إنساني صادق وصاف.


undefinedقاموس العشق

تحكي فصول الرواية لقاء بين رجل وامرأة. بين الراوي المقيم في باريس وامرأة إيطالية تدعى مينا تقيم في ميلانو، تجمعهما مدينة كازانوفا في جزيرة كورسيكا التي توحد ثقافتي البلدين. هناك حيث يلتقي الطرفان من حين لآخر، يسرقان بعض الوقت من أجل سرد جزء من حياتيهما المتقلبة والتساؤل عن راهن وتحولات الحياة البشرية عامة.

يطرحان كثيرا من الأسئلة ويغرقان في فلسفة التفكير في الحياة: "ما معني اليقين؟ لا أعتقد أنه شيء مميز. هل اليقين هو السماء في حد ذاتها؟"  يتساءل الراوي. ويتجولان في مختلف لقاءاتهما وبذاكرتهما في مدن عرفاها وأحباها. خصوصا مدينة البندقية التي تمثل الضفة الجامعة والرابطة بين مخيلتي بطلي الرواية.

يخبرنا راوي "كنز الحب" بكثير من التفاصيل عن حياة وعن شخصية حبيبته الإيطالية مينا فيسكونتيني المتخصصة في أدب ستاندال، ويسرد تفاصيل كثيرة عن شخصيتها وتأثرها وانبهارها بستاندال وروايته الشهيرة "الأحمر والأسود"، مما يمنحنا انطباعا بأنها شخصية حقيقية.

ويواصل الحديث عن ابنتها اسمها "كليليا"، المقتبس من رواية ستاندال المعنونة "مغنية بارما". وفي خضم البحث عن أصل لقب كليليا الإيطالي، يحكي فيليب سولير رواية "كنز الحب" ويقر في النهاية "إن الحب عبارة عن مجرّة معقدة من المشاعر".

في ذروة صعود اسم الروائي  فيليب سولير بين الدوائر الأدبية الباريسية، يتم استدعاؤه لأداء الخدمة العسكرية الإجبارية في الجزائر، لكنه رفض ذلك

الفرار من  الجزائر
يعتبر فيليب سولير(75 سنة) من أهم الأسماء الأدبية في فرنسا، وتلقى أعماله رواجا وانتشارا واسعين، وبرز في أوساط النشر منذ صدور روايته الأولى "عزلة فضوليّة" (1958) والتي اتسمت بأسلوبها الكلاسيكي، مما أكسبها وقتها اهتماما نقديا مميزا ولاقت ترحيبا من طرف أهم الكتّاب الفرنسيين آنذاك، أمثال فرانسوا مورياك ولوي أراغون. 

وفي ذروة صعود اسم الروائي بين الدوائر الأدبية الباريسية، يتم استدعاؤه لأداء الخدمة العسكرية الإجبارية في الجزائر، لكنه رفض ذلك  متعللا بالإصابة بمرض انفصام الشخصية.

كلف ذلك سولير الإقامة تحت المراقبة الطبية في ثكنة عسكرية مدة ثلاثة أشهر، قبل أن يتم إعفاؤه وتسريحه بعد تدخل الروائي والوزير أندري مالرو، صاحب رواية "الأمل" (1937) التي تعود إلى وقائع الحرب الأهلية في إسبانيا.

وتمثل "الحديقة" (1961) أهم روايات فيليب سولير، والتي نال بفضلها جائزة ميديسيس المرموقة. وقد شكلت قطيعة مع أسلوب الكتابة الكلاسيكية في مسيرته الإبداعية، والانتقال إلى أسلوب كتابة أكثر حداثة، مع البحث باستمرار عن التجديد.

 يسعى سولير لرسم مسيرة وتجربة مغايرة من خلال مواصلة البحث والتفكير في أشكال وأساليب سرد جديدة ومختلفة

تجربة مغايرة
يقرّ سولير بالتأثر بالروائي الإيرلندي الشهير جيمس جويس (1882-1941)، خصوصا رواية "يوليسيس" (1922) التي تظهر تأثيراتها في رواية فيليب سولير الموسومة "الجنة" (1986).

ولكنه يسعى لرسم مسيرة وتجربة مغايرة من خلال مواصلة البحث والتفكير في أشكال وأساليب سرد جديدة ومختلفة. ويتجلى ذلك في رواياته الصادرة خلال السنوات القليلة الماضية: "حبّ أميركي" (2001)، و"حياة مقدّسة" (2005) و"المسافرون عبر الزمن" (2009).

ولا يكتفي فيليب سولير (زوج الناقدة الشهيرة جوليا كريستيفا) بدور الكاتب، فهو واحد من الوجوه النشطة في الساحة الثقافية الفرنسية، حيث يشغل مديرا لسلسلة النشر "اللامنتهى" (غاليمار)، وعُرف بصداقته الوثيقة مع الناقد رولان بارت وبشغفه بالصين وزعيمها الراحل ماو تسي تونغ.

المصدر : الجزيرة