موراكامي يقدم جائزته لضحايا فوكوشيما

epa Japanese writer Haruki Murakami is seen shortly before addressing a press conference in Barcelona, northeastern Spain, 08 June 2011


محسن الرملي-برشلونة

تسلم الكاتب الياباني الشهير هاروكي موراكامي جائزة كاتالونيا الدولية لهذا العام وأمضى يومين في مدينة برشلونة عاصمة إقليم كاتالونيا شمال إسبانيا، وسط احتفاء كبير به من معجبيه والصحافة والسلطات الرسمية.

وكانت الكلمة التي ألقاها بالمناسبة بمثابة خطبة سياسية ضد التسلح النووي، في إشارة إلى كارثة انفجار مفاعل فوكوشيما، بعد الزلازل التي ضربت بلده في مارس/ آذار الماضي، وهي المرة الأولى التي يركز فيها موراكامي على السياسة أكثر من الأدب، فأعرب عن ألمه وأسفه على الأرواح التي حصدها الزلزال والكارثة النووية، ثم أعلن تبرعه بقيمة الجائزة (80 ألف يورو) إلى ضحايا فوكوشيما.

وقال "أن تكون يابانياً، يعني أن تعيش وسط المخاطر من براكين وزلازل وأعاصير، نحن شعب موجوع، تلقينا الضربات من كل النواحي، حروب قنابل نووية، كوارث طبيعية.. ومن يدري ما القادم!". وانتقد بشدة المجتمع الياباني ونموذجه في النمو السريع، كما شن هجوما ضد الحكومة والمعارضة على عدم قيامهم المبكر بإجراء التحوطات الكافية للمفاعلات النووية.

الصحافة الإسبانية احتفلت بالكاتب الياباني (الجزيرة نت)
الصحافة الإسبانية احتفلت بالكاتب الياباني (الجزيرة نت)

وتابع "إن اليابان الذي عانى من قنابل نووية وهو ضد النووي، وضع موقفه هذا جانباً بسبب خداع الذات بكلمة (الكفاءة) والحلم بالمال والتقدم، أقنعونا بأن نكون واقعيين، وهذه هي نتيجة الواقعية المفرطة، أناس كثيرون فقدوا عوائلهم وبيوتهم وكل شيء.. وهناك أناس كثر فقدوا حتى الرغبة بالحياة، ولهذا فإني أدعو الناس ليكونوا حالمين أكثر وأقل واقعية".

بلا بوصلة
وأضاف الكاتب الياباني ذو الشهر العالمية "الآن وبعد تسونامي والزلازل والأزمة النووية فقدنا الاتجاه، نحن بلا بوصلة.. إننا نعيش حالة صدمة. كنا نريد أن نكون أغنياء وغربيين، أن نكون البلد الأكثر تقدماً والأرقى تكنولوجياً في العالم وكنا فخورين جداً بشيء أعتقد أننا قد فقدناه الآن، ولا أدري ما إذا كنا سنجد طريقاً جديداً نتجه فيه. نحن اليابانيين بالذات علينا أن نعارض دائماً كل ما يتعلق بما هو نووي".

وفي تعقيبه على كلمة موراكامي، قال رئيس حكومة كاتالونيا آرتور ماس"إن هذا حكم ونقد قاس جدا للذات، وأنا أتفهم موراكامي لأنه يعيش الأزمة اليابانية من داخلها، بينما نحن الذين نراها من الخارج نشعر بالإعجاب الكبير جداً تجاه موقف وتعامل اليابانيين حيال الكارثة".

الشخصي والأدب
وفيما يتعلق بالجوانب الشخصية والأدبية، فكما هي عادته الهروب من الأضواء اشترط موراكامي ألا تدخل إلى القاعة سوى كاميرا واحدة وميكرفون واحد، وحين ذكروا له أن جيمي كارتر قد نال هذه الجائزة العام الماضي، علق "أوه، هذا ينبهني إلى أنني قد كبرت بالسن".

لا أدري بالضبط ما هو الشرق وما هو الغرب. ولدت في اليابان وترعرت فيها وفي الوقت نفسه تعجبني الموسيقى الأوروبية والجاز

وقال إنه يستيقظ كل يوم على الرابعة فجراً ويمارس الرياضة ثم يجلس على طاولة الكتابة بحماس ساعات طويلة "في التاسعة والعشرين من عمري قررت أن أكون روائياً، ولم يكن ذلك بالأمر الصعب. أنا لا أفكر أبداً بالذي أكتبه وإنما، وببساطة، أتابع خيالات تأتيني وأسمع أصواتاً لا أحرص على معناها ولكنني أدونها".

وقال أيضا "أنا مختلف عن غالبية الكتاب اليابانيين الذين يلتزمون بالتقاليد اليابانية، وربما لهذا فأنا لا أعجب النقاد هناك كثيراً. أنا منفتح على كل شيء وعلى مختلف المصادر والثقافات، وعاشق للأدب الأميركي والأوروبي ولا أميز بين الشرق والغرب. لا أدري بالضبط ما هو الشرق وما هو الغرب. ولدت في اليابان وترعرت فيها وفي الوقت نفسه تعجبني الموسيقى الأوروبية والجاز".

شرق وغرب
وأضاف "أعتقد أن كتابتي هي هذا الشيء، تمثل الوحدة بين الشرق والغرب وهذا ما عشته حقيقة ويعيشه الشباب اليوم في اليابان والذين يأكلون الهمبرغر ويشربون الكوكاكولا، هذا هو عالمهم.. وفي هذا العالم كل شيء ممتزج ولا توجد فوارق".

وحث موراكامي الأدباء في بلاده على كتابة أعمال جديدة ترفع الروح المعنوية لليابانيين بعد الأزمة "أنا ككاتب، وأكتب أحياناً قصصاً تعجب الناس، أشعر الآن بأن كتابي القادم يجب أن يخدم في رفع معنويات الناس. حتى الآن لم أجد الفكرة لهذا الكتاب ولكنني سأجدها حتماً، فأنا متفرغ للتفكير وربما بعد عام سأبدأ بكتاب جديد".

غلاف كتاب
غلاف كتاب "كافكا على الشاطئ" (الجزيرة نت)

واعتبر موراكامي أن كتابة رواية تشبه كثيرا الاستعداد لخوض سباق ماراثون، وعلق بأنه وخلال مشواره الأدبي خاض 23 ماراثوناً وكتب عشرين رواية.

وفي المساء، غصت مكتبة (فناك) وسط برشلونة بطوابير المنتظرين للحصول على توقيعه، إلا أن المنظمين قرروا ألا يوقع أكثر من 150 نسخة.

يُذكر أن هاروكي موراكامي يُعد أشهر الكتاب والمترجمين اليابانيين حالياً، وقد حاز على العديد من الجوائز العالمية كجائزة كافكا عن روايته (كافكا على الشاطئ) وصنفته مجلة غارديان على أنه أحد أبرز الروائيين الأحياء في العالم.

ولد هاروكي في مدينة كيوتو عام 1949، ودرس الدراما بجامعة واسيدا في طوكيو ومن بين أعماله: (أسمع صوت أغنية الريح) 1987، (كافكا على الشاطئ) 2002، (الضفدع ينقذ طوكيو) 1999.. وغيرها. وترجمت رواياته إلى أربعين لغة منها العربية.

المصدر : الجزيرة