نسيمة.. سفيرة الأغنية الأندلسية

صور المطربة الجزائرية نسيمة

المطربة الجزائرية نسيمة هاجرت إلى باريس في فترة التسعينيات 

                                                     بوعلام رمضاني-باريس

تعد المطربة الجزائرية نسيمة المقيمة في باريس منذ عام 1994 حالة خاصة في المشهد الفني الجزائري، باعتبارها الوحيدة التي تحولت إلى سفيرة للأغنية الأندلسية في الخارج، وقد اشتهرت بشكل لافت انطلاقا من العاصمة الفرنسية كعدد كبير من الفنانين الجزائريين، وراحت تشق مرحلة جديدة في مسارها الفني، لم تفصلها عن جذورها الثقافية الأصلية.

ولم تكن هذه الشهرة التي نالتها بتشجيع من مسؤولي بلادها، كما قالت لرئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة بمناسبة عيد المرأة، بعد عودتها من نيويورك إثر إحيائها حفلة في مسرح كورنجيه هول الذي وقف على خشبته فرانك سيناترا وإيديت بياف، وتقديمها ألبومها الجديد "جذور وأغنيات".

المطربة نسيمة تلقت تكوينا موسيقيا في بداياتها الفنية بالجزائر 
المطربة نسيمة تلقت تكوينا موسيقيا في بداياتها الفنية بالجزائر 

تكوين موسيقي
وتنحدر نسيمة من مدينة البليدة الواقعة شمال غرب العاصمة الجزائرية، المعروفة فنيا باعتبارها إحدى قلاع الأغنية الأندلسية إلى جانب تلمسان وقسنطينة، ومسقط رأس موسيقيين وممثلين كبار من أمثال رابح درياسة والراحل محمد عزيز.

وكانت نسيمة -التي ترعرعت في أسرة غير فنية- الوحيدة في المعهد الموسيقي التي أبهرت عدة أساتذة في الفن الموسيقي الأندلسي، الأمر الذي جعلها تحظى برعاية استثنائية مكنتها من تكوين مبكر في سن السابعة، ودخول جمعية الودادية الأندلسية التي تأسست عام 1932.

وانطلقت نسيمة نحو الشهرة بعد تكوين موسيقي قوي على أيدي الشيوخ محمد بن قرقورة والحاج حميدو جعيدر والصادق البجاوي، وكانت البداية في نهاية السبعينيات بتسجيل "أنتولوجيا الموسيقى الأندلسية" للإذاعة والتلفزيون.

وكرست شعبيتها مجددا اعتبارا من عام 1987 تاريخ حصولها على أهم وسام فني من رئاسة الجمهورية، وشروعها في تسجيل جواهر التراث الموسيقي والشعري المغاربي للتلفزيون حتى غاية عام 1994.

وتعززت مكانة نسيمة كمطربة أندلسية شابة ومتميزة عام 1984 تحت إشراف الأستاذ برادعي، الذي سجلت معه لأوركسترا الجزائر السمفونية "نوبة زيدان" بشكل حديث وغير مسبوق، حاولت من خلاله تقريب الموسيقى الكلاسيكية العالمية إلى الموسيقى العربية الخلاقة.

مرحلة باريس

المطربة نسيمة:
الغناء بالفرنسية نتاج لوعي بحتمية المشاركة في تبديد الصورة المشوهة التي انتشرت في الغرب عن العرب والمسلمين، وتغيير الفكرة النمطية التي راجت عن المرأة العربية تحت وطأة إعلام مغرض

وككل الفنانين والمثقفين والإعلاميين الجزائريين الذين تركوا الوطن مكرهين خلال ما اصطلح على تسميتها بـ"العشرية السوداء"، وأقاموا في باريس لأسباب شخصية، لم تستسلم للأمر الواقع وراحت تشق مرحلة جديدة لم تفصلها عن جذورها الثقافية الأصلية، ومكنتها في آن واحد من تطوير أدائها على النحو الذي ينسجم مع متطلبات جمهور أجنبي غنت أمامه في عدة عواصم أوروبية وعالمية.

وكان عام 2000 -تاريخ غنائها على خشبة مسرح المدينة الواقع في الحي الثقافي الشهير "شاتليه" المتخصص في التعريف بفنون الذاكرة التراثية الجماعية والتجارب المسرحية العالمية- منعرجا في مسار أفقها الفني الذي فتح لها أبواب مسارح عربية وعالمية أخرى.

وحلت نسيمة بعد ذلك ضيفة على معهد العالم العربي واليونسكو والسوربون والفضاء السمفوني لمعهد الموسيقى العالمية بنيويورك، وجامعة جنوب فلوريدا، ومسرح ميزونيف بمونريال، وومهرجانات قرطاج بتونس، وفاس للموسيقى الصوفية بالمغرب، ولاهور وملتان، ومهرجان الموسيقى الكلاسيكية بكوريا، ومسرحي موسكو الوطني ومهرجانات بعدة دول أخرى.

الأصالة والمعاصرة
وعملت نسيمة -التي أبهرت جمهورها بصوتها- على التوفيق بين أصالتها العربية الإسلامية وانفتاحها الواعي والمحسوب على موسيقى العصر، باعتبارهما حاجة فنية فرضهما سياق تفاعلها مع جماهير أوروبية كما تقول.

وخلافا لمعظم المطربات العربيات، ترى أن غناءها يجب أن يكون وظيفيا، وقالت للجزيرة نت إن "أهمية وجودي في أوروبا لا تكمن فقط في التعريف بحضارة عربية خالدة، بل في تطوير مكوناتها خدمة لحاضر موسيقي عصري وهادف يساهم في إعطاء فكرة مشرقة عن المرأة العربية".

وتسعى المطربة الجزائرية بشكل مستمر لتطوير أدائها وكتابة وتلحين أغنيات توظف من خلالها صوتها القوي والدافئ، لتمرير "رسائل" تعالج الانتماء الوطني والقومي والهجرة والأمومة والنضال من أجل واقع نسائي، وهذا ما فعلته في ألبومها الجديد "أغنيات وجذور" الذي تضمن أغنية نساء كل العالم التي أدتها باللغة الفرنسية.

وعن غنائها باللغة الفرنسية، تقول إنه "كان نتاجا وعي بحتمية المشاركة في تبديد الصورة المشوهة التي انتشرت في الغرب عن العرب والمسلمين، وأيضا تغيير الفكرة النمطية التي راجت عن المرأة العربية تحت وطأة إعلام مغرض يتاجر بقضايا ولت منذ زمن بعيد، ويقدم رجالنا كإرهابيين داخل البيت وخارجه".

المصدر : الجزيرة