آثار الحرب محميات للذاكرة اللبنانية

منطقة السوديكو في بيروت العاصمة تعرضت للقصف المدفعي في الثمانينات ايام الحرب الاهلية اللبنانية هناك عمل على ترميم المبنى الصورة عام 2010

منطقة السوديكو ببيروت التي تعرضت للقصف في الثمانينيات أيام الحرب الأهلية (الجزيرة نت)

علا البوش-بيروت

رغم المساهمة الفرنسية التي ساعدت تقنيا على إعادة ترميم وهندسة المباني المتصدعة إثر الحرب الأهلية في لبنان, بقيت هناك مبان "لرائحة الموت" تشهد على حقبة من تاريخ البشر والحجر وتشكل متحفا لذاكرة لبنان الموشومة بالحروب والصراعات.

هذه المباني الأشباح.. رائحة حبر أحمر.. بصمات القنابل.. تلوح على الجدران وفي الأفق.. ذاكرة الرصاص وأبنية  ثكلى مازالت هنا تصرخ..  تحمل حكايات دموية ومواجع. إنها مشروع متحف للحرب الأهلية في لبنان, لندوب الوجع والكفر بالوطن.. والذاكرة الموشومة.

يقول الإعلامي اللبناني السابق خالد مرعي مدير شركة "مبدعون" إن الحرب في لبنان أصبحت فلكلورا يفرض نفسه على الشعب "مع بداية كل ربع قرن تقريبا هناك عاصفة أهلية تهب على لبنان لأي سبب سواء كان وجيها أم لا".

فولكلور الحرب

مبنى في شمال لبنان تعرّض للقصف عام
مبنى في شمال لبنان تعرّض للقصف عام

هذا الفلكلور الأهلي والشعبي يمارس دوره بالسلاح, فيقيم اللبنانيون حفلة من حفلات الصراع الأهلي بين الطوائف وحتى الطائفة الواحدة التي تنقسم على نفسها وبين الفرقاء السياسيين على اختلاف توجهاتهم".

ويضيف مرعي في حديثه للجزيرة نت أنه لا بد للبنانيين أن يستفيدوا من تلك المرحلة التي عصفت حربا أهلية في لبنان على مدار  أكثر من 15 عاما، ويقترح بأن تترك بعض تلك الآثار المأساوية كنصب تذكاري واعظ  للأجيال اللاحقة كي لا تتكرر الحرب.

ويقول "لا شك بأن هذه المباني المصدعة هي علامات تذكر اللبنانيين بمشاهد تلك المأساة الأليمة وما جرت معها من ويلات وتبعات دموية على جميع الأصعدة سواء الاجتماعية والنفسية والإنسانية والاقتصادية والسياسية للبلد".

ويؤكد أن هذه المباني بكل ما تحمله من أوشام على جدرانها ومداخلها في بيروت وطرابلس وصيدا وغيرها من المناطق اللبنانية هي خير شاهد على مرحلة سوداء مرت في تاريخ لبنان.

ويقترح بأن يترك هذا التراث الذي بقي من الإرث السابق, فيخصّص موقع أو موقعان في كل مدينة يحاط بما يشبه الديكور الحديث والإنارة الليلية وتكتب عليه يافطات كبيرة (هذا ما خلّفته الحرب) كي لا يتكرر الصراع في هذا البلد.

ويستشهد مرعي بحالات مماثلة من بلاد شهدت حروبا مدمرة, حيث أنشأت الحكومة الألمانية في برلين مثلا نصبا تذكاريا مغلقا ليبقى شاهدا على الحرب العالمية الثانية، وهو عبارة عن برج طويل مصدع في الساحة العامة "الكودام"، حيث توجد كاتدرائية كان قد قصفها الحلفاء ظنا منهم بأن الزعيم النازي أدولف هتلر كان مختبئا فيها.

نصب تذكاري

undefinedمن جهته يقول الشاعر اللبناني والإعلامي غسان جواد حين يرى آثار تلك الحروب "أخاف كثيرا أننا لم نتعظ بعد وأننا قد نكرر هذه التجربة.. إنها أثر ما اقترفته أيدينا من بشاعة بحق أنفسنا".

ويرى أن تلك الأبنية هي النصب التذكاري للغرائز والحقد وخروج الأهل على بعضهم.. "وتلك الرصاصات المتبقية على واجهات بعض البنايات، والحفر التي تركتها القذائف هناك هي الشاهد المتبقي على جنون شعب في لحظة ما، وشعوري الآن أن ترميم هذه المباني لن يخفي كمية الرعب والموت التي عاشتها هذه البلاد".

ويذهب جواد في حديثه للجزيرة نت إلى أن "ما اقترفته أيدينا بحق أنفسنا لا يزال ماثلا تماما وعلينا جعل هذه الآثار محميات للذاكرة والتاريخ البشري البشع حيث يفقد البشر قدرتهم على كبح الحماقة وروح الانتقام من الذات".

أما الفنان التشكيلي اللبناني أحمد عقل  فيقول "منذ صغري وكلما كبرت وزادت السنين إلى عمري, لاحظت ازدياد عدد الجدران المنخورة بالرصاص والقذائف في الشارع المحاذي لبيتنا, والشوارع القريبة منه والبعيدة, لألاحظ لاحقا أن مدينتي بأكملها مهشمة".

ويضيف "كلما تمعنت بآثار الحرب الأهلية دارسا الزاويا التي انطلقت منها, ازداد قلقي وهمي حول كيفية إيجاد جدار مسلح سميك أحتمي خلفه من تلك الرصاصات ومن عيون ترصدني من خلال الثقوب".

ويؤكد عقل "صرت مدركا تماما أن درجة اختراقها للإسمنت أسهل كثيرا من مدى اختراقها للذاكرة, فعناصر الولوج لذاكرتي مكتملة لكل أنواع الأسلحة والثقوب.

ويضيف "كنت أنتظر المطر والجو الرمادي والغيوم الكثيفة ظنا مني أن مطلقي الرصاص لن يروا جيدا أهدافهم وأن الغيم سيظلل وجهة القذيفة".

المصدر : الجزيرة